هو الواقع
أزمة اقتصادية كبرى تجتاح العالم اسمها التضخم ويرافقه الكساد - وهنا لا أحد يدري عنها، لا الحكومة ولا البرلمان ولا أغلبية السكان - فأسعار معظم السلع ارتفعت وسترتفع أكثر بسبب المغامرة الروسية في أوكرانيا، وسبقها وباء "كوفيد"، فأسعار النفط والقمح بالتحديد تضاعفت خلال الأيام الماضية، والدول الفقيرة هي أكثر من يتجرع مرارة التضخم والكساد، ففي سيلان ودول غيرها خرج المتظاهرون من يأسهم يحطمون السيارات والمحال العامة، بينما الجماعة هنا مبتهجون جداً لارتفاع سعر البرميل، ويتصورون أنهم جالسون فوق جبل يعصمهم من الطوفان القادم لا محالة.يتناسون أن دخول النفط المرتفعة لن تدوم طويلاً، فهذا الارتفاع سيعجّل مساعي الدول المتقدمة في تطوير مصادر بديلة للطاقة، وسيقلّ إدمانهم النفط ومشتقاته على المدى الطويل، وفي الكويت السلطة مازالت تغطّ في نومها العميق والممتد في احتساب اليوم الأسود القادم.ذكر تقرير الشال، قبل أيام، عنواناً مثيراً، يرتبط بما يحدث هذه الأيام في العالم، ورغم أن التقرير ينفخ في قربة مقطوعة، ويؤذّن في مالطا، فإنه شخّص واقعنا باحتراف دون النظر إلى عدم شعبية طرحه، فالسلطة سواء كانت حكومة- موجودة وغير موجودة- أو البرلمان يتنافسان على شراء الاسترضاءات السياسية، فنبه التقرير إلى "... رخاوة مقصودة بمواجهة الفساد في الكويت، فمكافآت الأمامية والممتازة وشراء الإجازات وإجازات العيدين وسط أقسى الظروف... تعمق الاعتماد على النفط".
دول الخليج تجاهد لتقليل الاعتماد على النفط، بينما الكويت الأكثر اعتماداً على النفط من بقية دول مجلس التعاون لم تصنع شيئاً يستحق أن يذكر، "ويا جبل ما يهزك الريح"، فما زالت الدولة تنفق وتتصرف كأنها نسيت انهيار سوق النفط في عام 2014.هناك ارتباط طردي بين زيادة الهدر والإنفاق على القضايا التي ذكرها تقرير الشال، مثلاً، وتأصيل الفساد ومحو الذاكرة الشعبية في قضايا حرامية المال العام وعدم الاكتراث بها، ربما الناس تدرك أنه مادام البلد منهوباً في كل الأحوال، ولا توجد محاسبة حقيقية، فماذا يضر لو أنفقت السلطة القليل علينا، منطق غير مقبول في عالم المثل العليا وعمل حساب المستقبل، لكنه هو الواقع.