دعوة لترتيب البيت الكردي
لا شك أن إقليم كردستان مرّ بتجارب قاسية ومراحل حرجة خاض فيها صراعات مريرة داخلية كردية كردية، وخارجية مع الأحزاب الشيعية وميليشياتها والدول الإقليمية، وواجه تحديات مصيرية كبيرة كادت تودي به، وتنسف كل مكتسباته السياسية والإدارية التي حققها منذ انسحاب القوات العراقية عام 1991، ولكن يبقى الصراع الداخلي بين الحزبين الكرديين المهيمنين على السلطة في الإقليم الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني والاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني هو التهديد الحقيقي على الأمن القومي الكردي والخطر المحدق بحاضر الإقليم ومستقبله، ومهما حاول العدو التقليدي من تدمير الإرادة الكردية والقضاء على حلمه في الاستقلال وإقامة دولته المستقلة، فلن يستطيع إن كان البيت الكردي مستقرا ومتماسكا من الداخل، ولكن مع الأسف البيت الكردي متهاوٍ من الداخل، ولا يوجد اتفاق على أي شيء من القواسم المشتركة، فالتشرذم والتنابذ والتناحر قائمة على قدم وساق، وتكالب على المناصب والمصالح الحزبية الضيقة.وفي حال بقاء الخلاف المزمن على حاله بين الحزبين الرئيسين ولم يتفقا على طريقة توافقية لإدارة الإقليم فقد تنهار التجربة الديموقراطية والمكتسبات التي تحققت في الثلاثين السنة الماضية في أي لحظة، ولن يبقى شيء اسمه الفدرالية ولا الكونفدرالية ولا الدولة المستقلة المرتقبة! وسيعود الكرد الى مربعهم الأول وكأن شيئا لم يكن! خصوصا أن بغداد ومعها إيران وميليشياتها تعمل بهذا الاتجاه بلا هوادة منذ فترة طويلة، وتمارس كل وسائل الضغط لتجريد الكرد من حقوقهم القانونية والدستورية وإعادتهم إلى حضن العراق الطائفي! وهي تنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر!يبدو أن ثمار جهودها الحثيثة قد أينعت وحان قطافها، والعجيب الغريب أن الحزبين اللذين يديران سلطة إقليم كردستان يعلمان هذه الحقيقة جيداً، ويدركان أن عاقبة تصرفاتهما الرعناء انهيار الكيان الذي شيده الكرد بتضحياتهم الجسيمة ودماء شهدائهم، ولكنهما مع ذلك يصران على موقفهما الرافض لأي اتفاق سلام بينهما، وبدل أن يشكلا جبهة واحدة وموحدة لتمثيل الأمة الكردية في بغداد، انخرطا في تحالف مع الأحزاب الشيعية ودخلا في دائرة الصراع الشيعي الشيعي الفارغة!
وهما الآن يخوضان معركة إعلامية حامية وصلت بأحدهما وهو الاتحاد الوطني بإعلان الحرب الشاملة ضد الديموقراطي الكردستاني وحكومة الإقليم في حال تصدير الغاز إلى الخارج، وقد أشار رئيس الحزب «بافل طالباني» صراحة إنه يرفض «محاولات تصدير الغاز إلى الخارج، ومد الأنبوب سيكون على جثتي»، ورغم ضراوة الهجمات الإعلامية المتبادلة وإصرار الطرفين على موقفهما المتشدد، فإن ثمة أصواتا حكيمة من الداخل تدعو الى الهدوء والحوار والجلوس الى طاولة المفاوضات، ومن بين هذه الأصوات دعوة رئيس إقليم كردستان «نيجيرفان برزاني» للأطراف المتصارعة الكردية والعراقية أيضا بانتهاز مناسبة عيد الفطر «فرصة للتعاون والتفاهم، لنتجاوز يداً بيد، على صعيد العراق وإقليم كردستان، الأزمات والتعقيدات ونبدأ مرحلة جديدة من التعاضد، ونحمي المكاسب وحاضر ومستقبل إقليم كردستان...»، وناشد الأطراف الكردية وخصوصا الحزبين «بصفتهما القوتين الرئيستين «لاتخاذ العيد فرصة لتنحية كل المشاكل والخلافات جانبا من أجل المصالح العليا للشعب والوطن، وأن يتجنبوا الحملات والهحمات الإعلامية كافة والإساءة للآخر، وأن يجتمعوا معا متلاحمين ليكونوا مؤثرين لهم دورهم ومكانتهم على مستوى العراق أيضا...»، وختم دعوته بالقول: «ليكن العيد في إقليم كردستان والعراق مبعث خير وفرح للجميع ويفتح الباب على الطمأنينة والأمان والاستقرار، عيد سعيد للجميع وكل عام وأنتم بخير».لاشك أن هذه الدعوة العقلانية الحكيمة بحاجة إلى مواظبة وجهد دؤوب ونشاط دبلوماسي كبير لتجسيدها الى الواقع، ولكي يصل الى هذه النتيجة المرجوة على رئيس الإقليم أن يعقد لقاء «قمة «موسعا يجمع زعماء الأحزاب المعنية، ويشرح لهم الحالة الكردية المتأزمة، ويحذرهم من خطورة الوضع السياسي الحالي وضرورة التوصل إلى حل لوقف المزيد من التدهور.* كاتب عراقي