على نفس درب النهاية الذي لا بد أن يسير عليه يوماً كل البشر، وبحزن بالغ، ودعت الإمارات، ومعها دول مجلس التعاون الخليجي، والعالم كله أمس ، رئيسها الشيخ خليفة بن زايد الذي وافته المنية أمس ، بعد سنوات مشهودة حمل خلالها الفقيد لواء النهضة والتحديث وغرس مبادئ التقدم في الدولة الخليجية التي باتت قبلة عالمية في أكثر من مجال.

ولم يخفف حدة فقد الراحل إلا تولي عضده وسنده محمد بن زايد رئاسة الدولة، ليكون خير خلف لخير سلف، بعدما سمّاه المجلس الأعلى للاتحاد أمس رئيساً ثالثاً للدولة خلفاً لأخيه الشيخ خليفة، ووالده زايد بن سلطان، مؤسس أول فدرالية عربية حديثة، وهو الاختيار الذي لقي ترحيباً خليجياً وعربياً ودولياً.

Ad

وجاءت مبايعة المجلس بالإجماع، خلال اجتماع عقد صباح أمس في قصر المشرف بأبوظبي، برئاسة نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، وحضره أعضاء المجلس الأعلى حكام: الشارقة سلطان القاسمي، وعجمان حميد بن راشد، والفجيرة حمد الشرقي، وأم القيوين سعود المعلا، ورأس الخيمة سعود القاسمي.

وقد توفي الشيخ خليفة، بعد 18 عاما أمضاها في سدّة الرئاسة حفلت بالإنجازات في مختلف القطاعات.

تسلّم الراحل سدّة الرئاسة في 4 نوفمبر 2004، وسار على نهج الوالد المؤسس؛ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لينقل الدولة - خلال عقدين تقريبا - من مرحلة التأسيس إلى مرحلة التمكين.

وقد تبوأت الإمارات مراكز الصدارة في مؤشرات التنافسية؛ المقياس المعياري لتقدّم الأمم، وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة العربية تحقق ذلك الإنجاز الضخم رغم صغر مساحتها وعدد سكانها، وقد اعتبرته صحيفة التايمز من القادة الخمسة والعشرين الأكثر تأثيرًا في العالم.

وخطت الإمارات بسجلّها المشرف إلى مناطق أخرى يصعب اللحاق بها، فأصبحت أول دولة عربية وإسلامية تصل إلى المريخ، وواحدة من دول قليلة لها السبق في عالم الفضاء.

وعقب توليه الحكم، أطلق المغفور له بإذن الله، الشيخ خليفة، خطته الاستراتيجية الأولى لحكومة الإمارات لتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، وضمان تحقيق الرخاء للمواطنين، منطلقا من أرضيّة صلبة شيّدها المغفور له الشيخ زايد بجعل الإمارات منارة تقود شعبها نحو مستقبل مزدهر يسوده الأمن والاستقرار.

وأشرف الشيخ خليفة على تطوير قطاعَي النفط والغاز والصناعات التحويلية التي ساهمت بنجاح كبير في التنوع الاقتصادي بالبلاد، كما قام بجولات واسعة في جميع أنحاء دولة الإمارات لدراسة احتياجات الإمارات الشمالية، وأمر ببناء عدد من المشاريع السكنية والطرق ومشاريع التعليم والخدمات الاجتماعية.

وأطلق الراحل مبادرة لتطوير السلطة التشريعية من خلال تعديل آلية اختيار أعضاء المجلس الوطني الاتحادي بشكل يجمع بين الانتخاب والتعيين، مما يتيح اختيار نصف أعضاء المجلس عبر انتخابات مباشرة من شعب دولة الإمارات.

أعمال إنسانية

في عام 2007، اعتمد الشيخ خليفة إنشاء مؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الإنسانية، وتتمثل رؤيتها في مبادرات رائدة لخدمة الإنسانية، وتتركز استراتيجيتها في مجالَي الصحة والتعليم محليا وإقليميا وعالميا.

كما تم في العام ذاته اعتماد جائزة خليفة التربوية، بهدف دعم التعليم والميدان التربوي وتحفيز المتميزين والممارسات التربوية المبدعة، وإبراز التربويين والممارسات العلمية الناجحة محليا وإقليميا وعربيا.

وفي عام 2009 أعيد انتخابه رئيسا للدولة، وبفضل قيادته الرشيدة تجاوز الأزمات المالية والقلاقل السياسية التي عصفت بالمنطقة، مع انتهاج سياسة خارجية نشيطة تدعم مركز الدولة كعضو فاعل إقليميا ودوليا.

وكان الشيخ خليفة قد عُيّن ممثلا لحاكم أبوظبي في المنطقة الشرقية ورئيسا لنظامها القانوني في أغسطس 1966، فيما عُيّن وليا للعهد لإمارة أبوظبي مطلع فبراير 1969، في حين تولى رئاسة أول مجلس وزراء محلي لإمارة أبوظبي في يوليو 1971، إضافة إلى حقيبتَي الدفاع والمالية في هذا المجلس.

وأصبح الشيخ خليفة نائبا لرئيس مجلس الوزراء الاتحادي في 20 يناير 1974، في حين عيّن نائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات عام 1976.

وكان أول منصب رسمي يشغله عندما كان ولي عهد إمارة أبوظبي هو ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية ورئيس المحاكم فيها، وكان لهذا المنصب أهمية كبيرة في حياته، وخلال وجوده بمدينة العين، أُتيحت له فرصة واسعة للاحتكاك اليومي بالمواطنين، والاطّلاع على أحوالهم، والتعرّف على تطلعاتهم وآمالهم.

ومنذ توليه حكم الإمارة ورئاسة الدولة، أشرف وتابع مشاريع التطوير والتحديث التي شهدتها الإمارة كافة، وتولّى الإشراف على ما عُرف بمفاوضات المشاركة النفطية التي أعادت صياغة السياسة النفطية، ووضعت الأسس لعلاقة أكثر عدلًا وإنصافًا مع الشركات النفطية العاملة، ومتابعة لهذا الدور، تولّى رئاسة المجلس الأعلى للبترول، كما أسس وترأس جهاز أبوظبي للاستثمار الذي يشرف على إدارة الاستثمارات المالية للإمارة، ضمن رؤية استراتيجية لتنمية الموارد المالية، وللمحافظة على مصادر دخل مستقرة للأجيال المقبلة.

مسيرة حياة الفقيد الشخصية وهواياته

وُلد الشيخ خليفة بن زايد في 7 سبتمبر 1948 بقلعة (قصر) المويجعي في مدينة العين، وكان أكبر الأبناء الذكور للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات.

عاش الراحل مع عائلته في مدينة العين، وتلقى تعليمه الأولي بها في المدرسة النهيانية التي أنشأها والده، وقضى معظم طفولته في واحات العين والبريمي بصحبة والده الذي كان يحكم منطقة العين في ذلك الوقت.

وفي عام 1964؛ تزوّج الشيخ خليفة من شمسة بنت سهيل بن حمد المزروعي وأنجبا 8 أولاد؛ اثنان من الذكور هما الشيخان سلطان ومحمد، و6 من الإناث.

وكان يمارس عددًا من الهوايات، فهو محبّ لصيد السمك، وبارع في هواية الصيد بالصقور التي اكتسبها من والده، كما أسهم شخصيًا في رعاية برامج ومشروعات للمحافظة على البيئة الطبيعية في مناطق الصيد، وعلى رأسها تحرير الصقور بإعادتها إلى بيئتها الطبيعة، مع نهاية كل موسم صيد وبرامج إكثار طيور الحبارى.

اهتم الشيخ خليفة بمتابعة مختلف الأنشطة الرياضية في الدولة، لاسيما كرة القدم، حيث يحرص على رعاية وحضور الأنشطة الرياضية الرئيسية، فضلا عن تكريم الفرق الرياضية المحلية التي تحقّق إنجازات أو بطولات محلية أو إقليمية أو دولية.