يغفل الكثيرون عن عامل أساسي لتمكين أوكرانيا من التفوق في صراعها ضد روسيا: يجب أن تستمر حركة الاقتصاد في زمن الحرب، يقاتل عشرات آلاف الأوكرانيين على الجبهة واضطر ملايين آخرون للهرب من منازلهم، لكن يحتاج البلد رغم ذلك إلى تأمين الطعام والعمل لـ38 مليون مواطن تقريباً، تزامناً مع حماية البنية التحتية وتمويل الخدمات العامة. باختصار، يبقى الاقتصاد الفاعل أساسياً لرفع معنويات الناس وزيادة زخم العمليات على جبهة القتال.أصبح الوضع الاقتصادي في أوكرانيا مريعاً، فقد فاقت خسائر البلد على مستوى البنية التحتية عتبة المئة مليار دولار حتى الآن، وفق تقديرات الأمم المتحدة التي أصبحت قديمة على الأرجح نظراً إلى تكثيف الهجوم الروسي ضد البنية التحتية المدنية قبل أيام، قد تحتاج أوكرانيا إلى 600 مليار دولار لإعادة إعمار البلد بعد الحرب (أو أكثر إذا طالت مدة الصراع). تتوقف الآفاق الاقتصادية على المدى الطويل في أوكرانيا على نتيجة الحرب (بما في ذلك حجم الأراضي والموارد التي تسيطر عليها) ومستوى الاستقرار والأمن بعد وقف القتال.
قبل الحرب، كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ينسّقان جهودهما الاقتصادية والتقنية لمساعدة البلد عبر «مجموعة السبع لدعم أوكرانيا»، لكن تبقى هذه المجموعة غير رسمية ومنخفضة الرتبة، مما يعني أنها تعجز عن تقديم المساعدات المطلوبة، فهي تقتصر على سفراء محليين يقيمون في العاصمة الأوكرانية كييف ويجتمعون بشكلٍ دوري لتبادل الآراء ومناقشة أفضل الممارسات المحتملة، واليوم يجب أن تكون أي مجموعة اتصال أكثر طموحاً بكثير، فتُنسّق جهودها مع الأطراف المعنية وتقوم بالتزامات مالية كبرى قد تصل إلى عشرات مليارات الدولارات أو أكثر، وتتطلب هذه العملية تعيين منسّق بارز للحفاظ على الإجماع السياسي والإشراف على طريقة تنفيذ الوعود.يشير تقسيم المهام عبر الأطلسي في آخر ثماني سنوات (نحو 80% من المساعدات الاقتصادية الخاصة بأوكرانيا من أوروبا، و80% من المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة) إلى وجهة النزعات المستقبلية المحتملة، وفي هذا السياق أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن أوروبا تتحمل «مسؤولية خاصة» تجاه أوكرانيا ويُفترض أن تُخصص «استثمارات ضخمة» لدعمها، وسيكون «البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية» اللاعب الأساسي في هذه الجهود على الأرجح، علماً أنه كان قد استثمر أكثر من 150 مليار دولار في مناطق وسط أوروبا وشرقها منذ تأسيسه في 1991. كذلك، سبق أن سهّل هذا البنك استثمار أكثر من 16 مليار دولار في أوكرانيا، وقد أعلن حديثاً طرح حزمة جديدة بقيمة مليارَي دولار.خلال الأسابيع المقبلة، يُفترض أن تلتزم الاقتصادات الرائدة، التي أعادت تنظيم نفسها في إطار نسخة جديدة من مجموعة العشرين، بزيادة المساعدات إلى أوكرانيا وتنظيم مؤتمر للمانحين انطلاقاً من الجهود الأخيرة التي تصبّ في الخانة نفسها، وعلى المدى الطويل، يجب أن تقود أوروبا مرحلة التعافي في أوكرانيا، وبما أنها تحتاج إلى زعيم مخضرم ومحترم لحشد الدعم السياسي والإشراف على المساعدات الهائلة، ما الذي يمنع الاستعانة بالمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل للاضطلاع بهذا الدور؟قبل بدء الغزو الروسي الشامل، كانت الاستراتيجية الغربية الاقتصادية في أوكرانيا تقضي بمساعدة البلد تدريجاً، لكن معظم الجهود السياسية رفيعة المستوى ركّزت على التفاوض حول إنهاء الصراع المستمر في دونباس وشبه جزيرة القرم، وكان التركيز يصبّ حينها على تقديم مساعدات تقنية بطيئة وتدريجية لمعالجة الفساد، وترسيخ حُكم القانون، وتحسين القدرة التنافسية، والآن وقد أصبح صمود أوكرانيا اقتصادياً من أهم العوامل التي تؤثر على نتائج الحرب وأمن أوروبا بحد ذاتها، تبرز الحاجة إلى رد جدّي ومكثّف وسريع لضمان تفوّق أوكرانيا في نهاية المطاف.* بارت سزيوتشيك
مقالات
محنة اقتصادية كبرى في أوكرانيا
15-05-2022