كأهل ميلان
"حذّر الأثينيون في اليونان القديمة أهل ميلان بأن القويّ يفعل ما يشاء، وأن الضعيف عليه أن يتحمّل قدَره"... جاءت هذه الفقرة في مقال للكاتب كينيث بولاك في شهرية "فورن أفيرز"، وختم الكاتب مقاله المعنون بـ "الشرق الأوسط يمقت الفراغ... خروج أميركا والصراعات القادمة من أجل التفوق العسكري في المنطقة".المقال سوداوي، ويفترض أن يثير القلق إن كان هناك من يقلق في دنيا ثقافة "المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين" القدَرية، فالكاتب يستعرض تاريخ المنطقة بعجالة، ويقرر أنه تاريخ هزائم متوالية للدول العربية في مواجهة إسرائيل منذ عام ١٩٤٨ حتى الآن، ويستثني ما حدث بداية الثمانينيات، وفشل إسرائيل في احتلال لبنان وانتصار حزب الله، لكنّ النهاية تبقى محكومة بتطور العلوم التكنولوجية العسكرية للمنطقة.طائرات إف ٣٥ والدرون (طائرات من دون طيار) أضحت هي مَن يحكم الميدان العسكري، والدول العربية ليس لها حظّ في عالَم التكنولوجيا، بينما استطاعت تركيا أولاً ثم إيران أن تطوّرا من قدراتهما في هذا المجال، فتركيا طورت قدراتها في صناعة "الدرون"، واستطاعت حسم الأمور في ليبيا لمصلحة الحكومة المركزية، وأيضاً صنعت الأمر ذاته مع أرمينيا لمصلحة أذربيجان، أما إيران بدورها، ومن خلال وكلائها في المنطقة، فقد تمدّدت للعراق ولبنان واليمن، وهاجمت بـ "الدرون" مواقع نفطية في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
الولايات المتحدة خرجت بفشل كبير من المنطقة، بعد أن تركت أفغانستان لقدَرها، وقبل ذلك تدخّلت في العراق وتركته أرضاً سهلة لتمدد نفوذ الجمهورية الإيرانية، وخرجت من سورية تماماً، واختتم الكاتب مقاله بعبارة "إن توازن القوى النسبي في المنطقة ذهب أدراج الرياح مع التقدّم التكنولوجي والاستراتيجي لغير الدول العربية، وعلى الجميع أن يتهيأوا للعاصفة القادمة للمنطقة".لم يترك الكاتب ثقباً صغيراً للتفاؤل في عالمنا العربي، ولم يتعرّض للواقع الاقتصادي المُر الذي تتجرعه أغلب الدول العربية، باستثناء دولنا النفطية (حالة استثنائية لن تدوم)، والآن بعد الغزو السوفياتي لأوكرانيا والتضخم الذي سيلحقه كساد عالمي، ماذا علينا في الكويت أن نصنع أمام حالة السّبات والجمود السياسيين؟ هل علينا أن نتحمل قدَرنا كأهل ميلان؟!