رياح وأوتاد: هل حل التحريض محل الحوار العلمي في الكويت؟
يُمارس التحريض على نطاق واسع في وسائل التواصل في الكويت بدلاً من الحوار العلمي في كثير من المواضيع، فهناك من يحرض على الوافدين دون تحديد الصالح من الطالح منهم، ودون الإشارة إلى من تحتاجه البلاد ويعمل بشرف وأمانة من ذلك الذي خالف قانون الإقامة ويمارس الغش والسرقة، وهناك أيضاً من يحرض على التجار جميعهم ويتهمهم بشتى الاتهامات دون فهم أو تفريق بين التجار الصالحين الذين يخدمون البلاد ولا غنى عنهم في توفير السلع والخدمات عن التجار الفاسدين الذين لا يخدمون البلد، ويخالفون القوانين، ويستفيدون على حساب المصلحة العامة. كما أن هناك من يتهم جميع النواب بخرق القوانين والمساومة مع الحكومة لتحقيق مكاسب خاصة وبالواسطة لجماعاتهم أو قبائلهم أو طوائفهم أو عوائلهم دون تمحيص أو بيان الأدلة التي تفرق بينهم، وبين النائب النزيه الصادق الذي خدم البلاد، ويبدو أن الهدف وراء تعميم هذا الاتهام هو الإساءة الى المجلس بصفة عامة والدعوة إلى تعليقه. وأيضاً هناك من يحرض على المتدينين بصفة عامة ويتهمهم بالإرهاب والرجعية دون الرجوع الى الأحكام الشرعية التي يتبنونها واحترامها واحترام معتنقيها وضرورة تفريقها عن الإرهاب الحقيقي، وهناك من يحرض على كل من ينشرون الآراء الاقتصادية الرزينة التي تتحفظ على الصرف غير المسؤول، وتشير الى إهمال الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة ويتهمهم بالبخل والتشاؤم دون دراسة أو تمعن في التقارير الاقتصادية المتخصصة التي تهدف الى الإصلاح.
والتحريض كما نلاحظ يتصف بالتعميم وتحريف الحقائق وعدم الطرح العلمي والتلبيس على المتلقي بذكر السلبيات وتعميمها على جميع الأشخاص أو الفئة التي يريد التحريض عليها دون اعتبار لحرمة الإنسان أو المصلحة العامة. وآخر تحريض ينتشر هذه الأيام هو على أبناء المتجنسين الذين ولدوا بعد اكتساب والدهم الجنسية الكويتية، إذ يقضي القانون 1994/44 بمنحهم الجنسية بصفة أصلية لأنهم ولدوا لأب كويتي، وهذه الجنسية تختلف عن الجنسية بالتأسيس، ولكن وفقاً لهذه الجنسية يحق لهم الانتخاب والترشح إذا توافرت فيهم باقي الشروط، ويرى المعارضون لهذا القانون أنه «وصمة عار» و»سبب دمار البلد»، وأن من منح الجنسية بصفة أصلية منهم أصبحوا هم الأغلبية الآن في مجلس الأمة (30 عضواً كما ذكرت إحدى الرسائل الصوتية)، وأنهم (سبب عدم الاستقرار في حياتنا السياسية)، وكل هذا غير صحيح، والغريب فيما وصلني من هذه الرسائل أنها تخلط بين هذا القانون (44) وبين التزوير وازدواجية الجنسية، لأن بعض هذه الرسائل يصرح أن من استفاد من هذا القانون كان أبوه مزوراً أو مزدوجاً، وبالتالي تشن هذه الرسائل حملتها على القانون وتطالب بإلغائه، والصحيح أنه لا علاقة لهذا القانون بالتزوير أو الازدواجية التي تعتبر جرائم في قانون الجنسية، فالقانون يطبق فقط على ابن الذي اكتسب الجنسية بطريقة صحيحة شرعية بعد ولادته لأب كويتي، أما المزور والمزدوج فلا يستحق وفقاً لهذا القانون هو ولا أبناؤه الجنسية بأي نوع منها. كما يرى المعارضون لهذا القانون أنه مخالف للدستور، وهذا غير صحيح أيضا، وسبق أن رفضت المحكمة الدستورية طلبهم، ولو أنهم قرأوا المذكرة التفسيرية للدستور وهي الملزمة بإجماع الفقه الدستوري الكويتي لوجدوا أنها ذكرت حرفياً «ومن ثم يكون الترشيح حقاً لأبناء هذا المتجنس إذا ما أدخلهم قانون الجنسية ضمن حالات الجنسية بصفة أصلية، وهو الحكم الصحيح المعمول به في الدول المختلفة»، وهذا بالضبط ما قام به القانون (44)، ولاحظ نص المذكرة التفسيرية أنه (الحكم الصحيح). وكان يفترض أن يشن المعارضون حملتهم على التزوير والازدواجية لا على هذا القانون أو من استفاد منه بشكل مشروع، ولك أن تتخيل المرارة التي يشعر بها هؤلاء وأقرباؤهم وهم يقرأون ويستمعون إلى الرسائل الصوتية التي تحرض عليهم وتطالب بتغيير جنسياتهم إلى متجنسين، كما لك أن تتخيل مقدار الانقسام في المجتمع من انتشار هذا التحريض عليهم. التحريض بكل أنواعه ومهما كانت أسبابه مدمر للمجتمع، وهو نواة للانقسام والكراهية، ويجب على الفقهاء والمفكرين بيان خطورته والدعوة بدلاً منه الى النقاش العلمي السليم، ويكفينا قول الله تعالى: «وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ»، وقوله سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ».