على خلفية الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وفي خطوة تمثل تحوّلاً كبيراً في سياسات عدم الانحياز التي انتهجها البلدان على مدى عقود، تبنت قيادة فنلندا رسمياً، أمس، وثيقة تنص على التقدم إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو» بطلب لمنحها العضوية فيه، فيما ينتظر أن تعلن السويد ذلك لاحقاً. وأكدت الحكومة الفنلندية، في بيان، أن رئيس الجمهورية، ساولي نينيستو، واللجنة الوزارية المعنية بالسياسات الخارجية والأمنية، أتمت إعداد تقرير رسمي بشأن انضمام البلاد إلى لـ»الناتو».
وقال نينيستو إن القرار يأتي من أجل تعزيز أمن البلاد، وتم «بعد التشاور مع البرلمان. إنه يوم تاريخي وبداية حقبة جديدة». وأعرب الرئيس الفنلندي ورئيسة الوزراء، سانا مارين، أثناء مؤتمر مشترك في العاصمة هلسنكي عن أملهما في أن يصدق البرلمان على القرار في غضون الأيام القليلة المقبلة.وفي تعليقه على مكالمته الهاتفية مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التي جرت أمس الأول، قال نينيستيو: «كان رد الفعل من بوتين الذي شهدناه يوم أمس، أكثر تحفظاً مما كان متوقعاً» بعد أن أبلغه بنية هلسنكي الانضمام للتكتل الذي تعارض موسكو تمدده إلى حدودها بشكل تاريخي.وأضاف أن الكثير من العلاقات بين موسكو وهلسنكي لايزال قائما في الوقت الراهن، مدققا: «لكنه لاشك أن العلاقات مع روسيا ستتغير». كما أكد أنه لا يرى حالياً استعداد روسيا لأي رد عسكري.
نهاية حقبة
ويأتي إعلان فنلندا، واستعداد السويد لتقديم طلب الانضمام إلى الحلف، الذي يضمّ 30 عضواً، رداً على ما يعتبره البلدان وضعاً أمنياً تبدّل بشكل جذري، نتيجة العملية العسكرية التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا، الجمهورية السوفياتية السابقة، منذ 24 فبراير الماضي. واتخذت فنلندا المبادرة أولاً، قبل السويد التي لا تريد أن تصبح الدولة الوحيدة المطلّة على بحر البلطيق، غير العضو في الحلف الغربي.ويعود الحياد العسكري إلى أكثر من 75 عاماً في فنلندا، وإلى القرن التاسع عشر في السويد، لكن البلدين قطعا مع حيادهما، مع انتهاء الحرب الباردة في تسعينيات القرن العشرين، عبر إبرامهما اتفاقات شراكة مع «الناتو» و»الاتحاد الأوروبي».اجتماع الناتو
في غضون ذلك، صرح نائب الأمين العام للحلف ميرتشا جوانا بأنه واثق من إمكانية معالجة مخاوف تركيا بشأن انضمام فنلندا والسويد إلى «الناتو».وقال جوانا لدى وصوله إلى اجتماع وزراء خارجية دول التحالف في برلين، أمس، بالقول: «أنا على ثقة من أنه إذا قررت هاتان الدولتان السعي للحصول على عضوية الناتو، يمكننا الترحيب بهما والتوصل إلى جميع شروط التوافق في الآراء».وجاء ذلك بعد أن شدد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على أن أي دولة ستكون عضواً في الحلف الأطلسي يجب ألا تدعم «حزب العمال الكردستاني»، الذي تصنفه أنقرة على قائمة التنظيمات الإرهابية.من جهتها، قالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إن «فنلندا والسويد تنتميان للعائلة الأوروبية وأبواب الناتو مفتوحة لهما بشكل فوري».وقبيل الاجتماع الوزاري الذي بحث «كيف يمكن للحلف تقديم المزيد من المساعدة لكييف لصد الغزو الروسي»، عقد وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا اجتماعاً مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. وأكد كوليبا أن «المزيد من الأسلحة والمساعدات الدفاعية الأخرى في طريقها إلى أوكرانيا».وكتب كوليبا، عبر «تويتر» قبل مشاركته في اجتماع وزراء خارجية «الناتو»، لاطلاعهم على الوضع الميداني للمعارك في أوكرانيا: «اتفقنا على العمل معاً عن كثب لضمان وصول صادرات أوكرانيا من المواد الغذائية إلى المستهلكين في إفريقيا وآسيا».تغيير مفاهيم
وتزامنت التطورات مع تقرير لوكالة «بلومبرغ» كشف أن «حلف الناتو» في مفهومه الاستراتيجي الجديد، المتوقع تبنيه في يونيو المقبل، قد يصنف سلوك روسيا كـ»تهديد مباشر» له.ونقلت الوكالة الأميركية عن مسؤول في «الناتو» قوله، إن الحلفاء سيتطرقون إلى كيفية دعم الدول المجاورة لروسيا «المعرضة لخطر الإكراه والعدوان». وتبنى الحلف النسخة الحالية من مفهومه الاستراتيجي في عام 2010، وهو يصنف فيها روسيا «شريكا».تقدم ومعارك
في غضون ذلك، تغيرت الخطوط الأمامية في الحرب الأوكرانية، أمس، إذ أحرزت روسيا بعض التقدم في منطقة دونباس الشرقية التي تشهد معارك طاحنة وشن الجيش الأوكراني هجوماً مضاداً بالقرب من مدينة إزيوم الاستراتيجية التي تسيطر عليها موسكو.وفي غرب أوكرانيا بالقرب من الحدود البولندية، قال مسؤولون أوكرانيون إن صواريخ دمرت البنية التحتية العسكرية ليلاً، واستهدفت منطقة لفيف انطلاقا من البحر الأسود.وحققت القوات الأوكرانية سلسلة من النجاحات منذ الغزو الروسي في فبراير الماضي، مما أجبر القادة الروس على التخلي عن هجوم على كييف، كما طردت القوات الروسية من خاركيف ثاني أكبر مدينة في البلاد.وذكر تقييم للمخابرات العسكرية البريطانية صدر أمس، أن روسيا فقدت نحو ثلث القوة القتالية البرية التي نشرتها في فبراير. وقال التقييم إن الهجوم الروسي في دونباس تأخر كثيراً عن الجدول الزمني، ومن المستبعد أن يحرز تقدما سريعا خلال الثلاثين يوماً المقبلة.