في أول استحقاق انتخابي بعد الانهيار الاقتصادي الذي تسبب في أقسى أزمة اقتصادية بتاريخه، وبعد انفجار مرفأ بيروت الذي دمر أحد أبرز مرافقه الاقتصادية، شهد لبنان أغرب انتخابات منذ عقود. الغموض كان سيد الموقف، إضافة إلى حجم الإشكالات التي شهدتها المناطق المختلفة وأقلام الاقتراع. وما بين الدعوة للمقاطعة سُنياً، وكسرها في صناديق الاقتراع من خلال رفع نسبة التصويت إلى حدود تقارب نسبتها في 2018، استمر النهار الانتخابي الطويل بالكثير من الضياع، والتفاوت في توجه اللبنانيين نحو الصناديق.
واتسم يوم الانتخاب بإشكالات متعددة كان بطلها «حزب الله» من الجنوب إلى بيروت والبقاع، إذ كان همّ الحزب خفض نسبة الاقتراع في المناطق السُّنية، لأن ذلك سيسهل له الحصول على أكبر عدد من النواب من طوائف مختلفة. في المقابل، استمر مناصرون لتيار المستقبل في الدعوة للمقاطعة، وكان ذلك واضحاً في دائرة بيروت الثانية وخصوصاً بمنطقة الطريق الجديدة التي تعتبر معقل «المستقبل»، إذ لم تظهر فيها أي تحركات انتخابية. الأمر الثابت كان انخفاض نسبة المقترعين طوال النهار، وهو ما شكّل علامة استغراب لدى اللبنانيين، خصوصاً أن أرقام اقتراع المغتربين كانت مرتفعة جداً، ورغم ذلك بقيت الأرقام متدنية نسبياً لدى مختلف الطوائف، وخصوصاً السُّنة، والشيعة والمسيحيين، فيما كان هناك حضور لافت لقوى المجتمع المدني والثورة وهو ما أظهرته الماكينات الانتخابية.وبدا «حزب الله» متوتراً في دوائر متعددة، ففي دائرة صيدا جزين، اعتدى مناصرون له على مندوبي «القوات» اللبنانية في منطقة كفرحونة، أما في دوائر الجنوب فقد كان نشاط مندوبي الحزب وحركة أمل واضحاً مقابل التضييق على خصومهم، ومنع مندوبي اللوائح الأخرى المخاصمة لهم من الوجود في أقلام الاقتراع، في مخالفة للقانون الانتخابي. وفي البقاع الشمالي اعتدى الحزب على مندوبي «القوات» ولائحة «بناء الدولة» برئاسة الشيخ عباس الجوهري، حيث تم طرد مندوبيهم من قرى شيعية مختلفة، وحصلت إشكالات متعددة في البقاع الأوسط وتحديداً في زحلة بين الحزب والقوات اللبنانية. وكان الجيش اللبناني يعمل على معالجة الإشكالات، وتقول مصادر متابعة إن الحزب عمل عمداً على ترهيب خصومه في مختلف الدوائر، وذلك ناتج عن توتر لديه بسبب تدني نسبة الاقتراع في صفوف الطائفة الشيعية، وبالتالي أراد الحزب فرض أمر واقع وتخويف خصومه لمنعهم من التوجه إلى الصناديق.التركيز كان على مناطق البيئة السنية، وخصوصاً دائرة بيروت الثانية، إذ ارتفعت نسبة التصويت فيها تباعاً، في مشاهد تشبه إلى حدّ ما مشهد بيروت في انتخابات 2018، وكذلك في صيدا وطرابلس. وبالتالي لم تنجح الدعوات إلى المقاطعة، وفق قراءة للأرقام التي جرى تحقيقها. في بيروت أيضاً، كان حضور الحزب بمناصريه ومندوبيه واضحاً جداً منذ الصباح الباكر، وقد عمل مناصرو الحزب على استفزاز أهل بيروت في رفع شعارات «لبيك يا نصر الله» وهو ما استفز أهالي المدينة، الذين توجهوا إلى الصناديق، واتهموا المقاطعين من الطائفة السنية بأنهم متخاذلون ويعملون على تسليم المدينة للحزب بالانتخابات بعد فشله في الحصول عليها بطريقة أخرى، وحاولت عناصر منه إعاقة وصول المواطنين إلى صناديق من خلال افتعال المشاكل وتخويفهم.واللافت في هذا الاستحقاق هو تدني نسبة الإقبال المسيحي في مناطق متعددة، وهو ما يعود، حسب مصادر متابعة، إلى تراجع شعبية التيار الوطني الحرّ وجمهور رئيس الجمهورية، وجزء كبير من هؤلاء لم يتجه إلى الصناديق، فيما تركزت المعركة في المناطق المسيحية بين التيار الوطني الحرّ من جهة وخصومه من جهة أخرى، الذين يصفون ذلك التيار بأنه حصان طروادة بالنسبة إلى «حزب الله». وكان العنوان الأساسي للمعركة الانتخابية، بين «من يريد الدولة» و»من يريد الدويلة التي يمثلها الحزب».ودارت رحى هذه المعركة في أبرز الدوائر المسيحية تحديداً في كسروان جبيل، وفي دائرة الشمال الثالثة والتي تضم أقضية البترون، والكورة، وزغرتا بشري، وهي تعتبر دائرة المعركة السياسية لاستحقاق رئاسة الجمهورية المقبلة، وقد أظهرت الأرقام تراجع نسبة المؤيدين لرئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل.وحتى ساعات المساء كان هناك من الصعوبة في تحديد وجهة المجلس النيابي المقبل، خصوصاً أن عملية الاقتراع تأخرت في عدد من المراكز بسبب الازدحام الذي حصل في أقلام الاقتراع في ساعات بعد الظهر، فيما تأخرت عملية الفرز في المراكز، وبعدها أحيلت إلى لجان القيد في الأقضية للنظر بها والتصديق عليها، وسط توقعات بعدم إنتاج الانتخابات مجلساً نيابياً يميل لجهة سياسية واحدة، بمعنى أنه لن يكون هناك أكثرية ساحقة لأي طرف.
أخبار الأولى
«حزب الله» يرهب انتخابات لبنان
16-05-2022