منذ ما قبل القرن التاسع عشر احتدمت معركة اللغة العربية في مواجهة مع من كانوا يحاولون استبدالها باللهجات العامية - المحكية - مما دفع بالشاعر حافظ إبراهيم في عام 1903 إلى أن يكتب قصيدة عنوانها "اللغة العربية تنعى حظها بين أهلها" جاء في بعض أبياتها:وسعتُ كتاب الله لفظاً وغايةً
وما ضِقتُ عن آيٍ بهِ وعظاتِأنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتيإلى معشر الكتاب والجمع حافل بسطت رجائي بعد بسط شكاتي ***• ما دفع بي إلى كتابة هذا المقال، تفشي ظاهرة اللجوء إلى اللهجة العامية من بعض كتاب الجرائد ليستعينوا بها لإيضاح ما يعتقدون بعجز الفُصحى عن التعبير بهِ، مع أن اللغة العربية ثرية بالمفردات والمجازيات التعبيرية، والطباق، والأمثلة الكثيرة، لأن هؤلاء الكتاب غير مدركين أن الصحف الكويتية - باتت - تُقرأ من خلال شبكات وسائل الاتصالات في الوطن العربي والعالم أجمع، فكيف - بالله عليكم - للقارئ في الجزائر أو في بلاد الشام أن يفك شفرة "يا مطوطي في جليب" أو "سبيچة اللي ما قصرت"؟!ضمن مقال سياسي أو اجتماعي... هذا اللجوء إلى كتابة مثل هذه الأمثلة العامية وسواها، يعود بنا إلى تلك المواجهات بين أنصار اللغة العربية الفصحى، الذين يكتبون بالعامية.***• تبنت الدعوة إلى اللهجات العامية مجموعة ممن يدعون إلى قومياتٍ بائدة كالفرعونية، والفينيقية، وأبرزهم سلامة موسى في مصر، وسعيد عقل في لبنان، وهناك من يطالب باستبدال الكتابة بالحروف العربية بالحروف اللاتينية، وإلغاء الإعراب والحركات في اللغة والوقوف على السكون فقط، ويقابل هؤلاء بعض المدافعين عن اللغة العربية، وينادون بإبقائها على ما هي عليه، فالدكتور طه حسين يرفض العامية تماماً بنثرها وشعرها، ويراها تُمثل انحطاطاً للأمة - كما قال لي في حديثٍ مسجل معه - كما كان عباس محمود العقاد يرفض العامية، بل ويرفض الاعتراف بالشعر الحديث، ويراه لا يختلف عن النثر.***• والمتتبع لدور اللغة الفصحى في روايات نجيب محفوظ، ومسرح سعد الله ونوس، يجد أنهم تناولوا قضايا هي من عمق أعماق الحياة الشعبية دون أن يلجأوا فيها إلى استخدام اللهجة العامية:أختم بهذين البيتين من الشعر لحافظ إبراهيم، على لسان حال اللغة العربية يخاطب بهما الكُتاب: أيهجرني قومي عفا الله عنهم... إلى لغةٍ لم تتصل برواةِأرى كُل يومٍ بالجرائد مزلقاً... من القبر يُدنيني بغير أناةِ
أخر كلام
موتوا بجهلكم فلن تموت الفصحى
17-05-2022