مرافعة : هيئة للمحاكم والنيابة!
من بين الأسباب المؤدية الى تردي العمل الإداري وتراجعه في قطاع المحاكم، غياب الرؤية وضعف الرقابة والمسؤولية عن أعمال الإداريين والمراقبات العاملة والبعد عن الرقمنة الحديثة في إتمام المعاملات والإجراءات الإلكترونية.ولا يمكن تحقيق ثورة كبيرة في قطاع المحاكم والنيابة العامة إداريا ما لم تكن تلك القطاعات في مقدمة أولويات الإصلاح الإداري.ومثل ذلك الأمر لا يتأتى إلّا بإنشاء هيئة للمحاكم والنيابة العامة كجهاز إداري مستقل يقود تيسير العمل الإداري في القطاعات الإدارية داخل المحاكم، ويعمل وفق رؤيتين إدارية ومالية تستهدفان النهوض بقطاع المحاكم ورفعته والرقابة على أداء الإداريين بعيدا عن ضغوط الوزير أيّا كان شخصه، أو محسوبيات المسؤولين.
وتحقيق الثورة الإلكترونية والبشرية العاملة في قطاع المحاكم لا يمكن أن ينطلق من بيئة العمل اليوم التي تحتضن قطاع المحاكم لوجود العديد من التشابكات الإدارية داخل وزارة العدل، فضلا عن تعاملها مع المحاكم كقطاع، على الرغم من أنه يضمّ أكثر من 15 مبنى تقريبا، ويشغله الآلاف من الموظفين ويواجه المخطط الهيكلي والإداري العديد من المثالب والقصور، مما أفقد صاحب القرار مبدأ المسؤولية والمحاسبة الإدارية!ومثال على ذلك الضعف الإداري في المحاسبة، أن المحكمة الكلية التي يتم تمثيلها في 6 محافظات يوجد بها مدير لإدارة الكتاب فقط، في حين أن تلك المباني يوجد بها آلاف الموظفين، ولا يشرف عليها سوى مراقبات، وتلك المراقبات تخضع لرقابة المدير نظريا، لكن من الناحية العملية لا يمكن للمدير أن يراقب أو يشرف أو يسأل عن كل تلك المنظومة. والمثال ذاته يوجد في الإدارة العامة للتنفيذ التي يمارس اختصاصاتها الإدارية مديران في كل محافظة؛ الأول قاضٍ ويعتمد تعيينه المجلس الأعلى للقضاء بعد ترشيح رئيس المحكمة الكلية له، والثاني إداري يعتمد تعيينه وكيل وزارة العدل، وكلاهما يمارس اختصاصات على ذات إدارة المحافظة!ومثل تلك التداخلات في الاختصاص وغياب الأخرى في قطاعات المحاكم يستلزم اليوم إصلاحا إداريا موسعا في هيكلها، يستوعب الحجم الكبير لتعيينات الموظفين في هذا القطاع منذ نشأة المحاكم الحالية قبل 45 عاما، وهو ما يستوجب معه إعادة النظر في ذلك لتأثيره المباشر على تفعيل مبادئ المسؤولية والرقابة اللازمين، والتي لا يسعفها الواقع الحالي تماما!إعادة النظر في المخطط الهيكلي في «العدل»، أو العمل على فصل القطاعات الفنية في المحاكم والنيابة والخبراء، أمر في غاية الأهمية، ويُحسب للكويت القيام به، فعلى الرغم من أنه استحقاق إداري أقدمت عليه العديد من الدول في تطيور منظومتها الإدارية، وأسهم في أداء أعمالها بكل انسيابية ونجاح، فإنه يكفل تحقيق مبادئ الثواب والعقاب بشكل واضح وجليّ، ويسهم في تحقيق العدالة لكل الأطراف المعنية، وهي الإدارية من موظفين، والفنية من قضاة وأعضاء نيابة وخبراء، والجمهور من متقاضين ومحامين.وتحقيق تلك المواجهة الإدارية، سواء إصلاح القطاعات ككل في وزارة العدل، أو إنشاء هيئة للمحاكم والنيابة، سيعمل على تطوير أداء تلك القطاعات بشكل كبير، وهو ما ينعكس بالتأكيد على أدائها، طالما عملت وفق نظم صحيحة، وكانت تحت قيادات تحمل أفكارا ورؤى متطورة تبتغي المصلحة العامة، وتستهدف اللحاق بالرّكب الحديث في رقمنة الأعمال الإدارية والفنية، وهي التي يفتقدها واقعنا العملي اليوم.