في خطوة لافتة، تكثّف جهوده من أجل إصلاح العلاقات وتعزيزها مع دول الخليج، بعد أن سلطت الأزمة الأوكرانية الضوء على أهمية منتجي النفط، أرسل الرئيس الأميركي، جو بايدن، وفداً يضم كل نجوم السياسة الأميركية إلى الإمارات، أمس، لتقديم واجب العزاء في وفاة رئيسها السابق خليفة بن زايد. وضم الوفد الأميركي، الذي ترأسه نائبة الرئيس كاملا هاريس، كل مساعدي بايدن في شؤون الأمن القومي، تقريباً، من وزيرَي الخارجية والدفاع ورئيس جهاز المخابرات المركزية الأميركية إلى كبار المسؤولين في البيت الأبيض.
ورأى مسؤولون أميركيون بارزون أن تشكيل الوفد يعكس رغبة واشنطن في إظهار التزامها تجاه المنطقة التي تتشكك بنوايا حكام البيت الأبيض منذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.وأضافوا أن هاريس ستؤكد لرئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، عزم الولايات المتحدة تعميق العلاقات مع المنطقة في مجالات تتراوح من الأمن والمناخ إلى الطاقة والتجارة.وفي وقت تشدد الإمارات على أن الولايات المتحدة مازالت شريكاً استراتيجياً، حتى مع تعميق أبوظبي لعلاقاتها بالصين وروسيا، أكد مصدر مقرّب من أسلوب التفكير الإماراتي أن تشكيل الوفد الأميركي وحجمه "يمثّل إشارة بالغة ستكون ذات مغزى لدى الشيخ محمد والقيادة الإماراتية".واعتبر المصدر الإماراتي أنه "تم إحراز تقدّم، لكن يتعيّن بذل المزيد. الإمارات تريد علاقات أوثق ومحددة بوضوح أكبر مع الولايات المتحدة".
جاذبية وغضب
في هذه الأثناء، وصف الخبير السياسي لدى معهد "بروكينجز"، عمر تاشبينار، الخطوة الأميركية بأنها "دفعة كبيرة بسحر الجاذبية من جانب إدارة بايدن لإصلاح العلاقات".وأضاف تاشبينار: "هناك محاولة لإعادة الأمور إلى مسارها، بعد استياء الإمارات من الولايات المتحدة، بسبب غياب زيارات رفيعة المستوى في أعقاب الهجمات الصاروخية التي شنّتها جماعة أنصار الله اليمنية المتمردة"، المدعومة من إيران، على أبوظبي ودبي في يناير الماضي.وكانت "رويترز" قد ذكرت أن بايدن أغضب محمد بن زايد، بعدم اتصاله سريعاً بعد الهجمات، وعدم استجابته بشكل أقوى، بما في ذلك إعادة تصنيف الجماعة الحوثية منظمة إرهابية.وغضبت دول الخليج مما تصورت أنه تراجع في الالتزام الأميركي بأمنها في مواجهة برنامج إيران النووي والصاروخي وشبكتها من الوكلاء الإقليميين، في ظل إصرار إدارة الرئيس الديموقراطي جو بايدن على مواصلة جهودها الدبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب عام 2018. وشعرت السعودية والإمارات كذلك بالاستياء من شروط وضعتها واشنطن على مبيعات السلاح الأميركي. وقالت الإمارات في ديسمبر الماضي إنها ستعلّق مفاوضات شراء طائرات "إف 35" الأميركية المقاتلة بسبب شروط على المبيعات.ورفضت دول الخليج، حتى الآن، الانحياز في الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا. وعارضت السعودية والإمارات كذلك دعوات بزيادة إنتاج النفط لتهدئة أسعاره التي رفعت معدلات التضخم على مستوى العالم.ولم يكن الشرق الأوسط يحظى بأولوية لدى إدارة بايدن التي انصبّ اهتمامها الأساسي على معالجة التحدي الصيني. ومنذ فبراير الماضي تهيمن الحرب الأوكرانية على جدول أعمال السياسة الخارجية الأميركية.في هذه الأثناء، ذكر الديوان الملكي السعودي أن الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وجه ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بالذهاب إلى الإمارات لتقديم واجب العزاء والمواساة في وفاة الشيخ خليفة بن زايد.احتواء إيران
وتصادف الكشف عن الخطوة الأميركية باتجاه الإمارات التي قررت انتهاء سياسة احتواء تجاه طهران لتفادي تأجيج النزاعات الإقليمية، مع وصول وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى أبوظبي، في زيارة نادرة لتقديم العزاء بوفاة رئيسها، بعد أن رحبت الجمهورية الإسلامية بتعيين الشيخ محمد رئيسا جديداً للدولة الخليجية العضو الرئيسي بـ "تحالف دعم الشرعية" الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.ورغم الجمود المهيمن على المباحثات غير المباشرة التي تستضيفها فيينا بين طهران وواشنطن بشأن إحياء الاتفاق النووي، فإن مصادفة وجود الوفد الأميركي مع حضور عبداللهيان أثارت تكهنات بشأن جهود إحياء الصفقة الذرّية المبرمة عام 2015.وأبرق الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالتهنئة إلى الشيخ محمد، بمناسبة انتخابه رئيساً جديداً للإمارات السبت الماضي.وتطلّع رئيسي في برقية التهنئة، إلى أن تشهد العلاقات بين الجمهورية الاسلامية ودولة الإمارات، التي أرسيت منذ عهد الفقيد الشيخ خليفة بن زايد، مزيداً من النمو في عهد رئيسها الجديد، وبما يشمل كل المجالات التي تخدم مصالح البلدين.وبالتزامن مع زيارة عبداللهيان الذي يعدّ أبرز مسؤول إيراني يحلّ على أبوظبي منذ قيام رئيس وفد بلاده بالمفاوضات النووية الدولية، علي باقري كني بزيارة، مماثلة إلى الإمارات، في نوفمبر الماضي من أجل "فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية"، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، بأن بلاده قدّمت مبادرات ومقترحات بشأن "الاتفاق النووي" لمنسق الاتحاد الأوروبي للمحادثات النووية، إنريكي مورا، وهي تنتظر رداً أميركياً عليها، في حين قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، إن النص الحالي للاتفاق "مناسب لها"، وإنه في حال اتخاذ قرارات سياسية يمكن استئناف الاتفاق في غضون أيام قليلة.وأوضح زادة أن طهران قدّمت للمنسق الأوروبي "مبادرات ومقترحات" بشأن الاتفاق المحتمل، وأن مورا أجرى "جولات عدة" من محادثات مطولة مع كبير المفاوضين الإيرانيين.وتابع: "يمكننا العودة إلى محادثات فيينا إذا ردّت واشنطن على المقترحات الإيرانية واتخذت قرارها السياسي".