في الصميم: تركيا في عيون متناقضة
من حق كل الشعوب أن تحتفل بما تشاء، وليس من حقنا أن نجبر الآخرين على ما تهفو إليه نفوسنا وعواطفنا، ولكننا للأمانة نستذكر هنا أن العرب المسلمين عندما فتحوا، أو احتلوا، بلاد فارس والأندلس لم ينصبوا لهم الخوازيق، ولم يجهّلوهم، ولم يجبروهم على القتال لمصلحتهم، العرب أثروا التاريخ ونشروا العلم، وشجّعوا العلماء، عرباً وأعاجم.
في 26/ 4/ 2022 كتبت مقالة عنوانها «يا سيد إردوغان أين لغة القرآن؟» أتساءل فيها عن السبب وراء غياب وطمس اللغة العربية عن اللوحات الإرشادية في الدولة التركية، متمنيا فيها أن تكون العلاقات مع العرب صحية ومفيدة للجانبين، المقالة في مجملها تعّبر عن رأيي الشخصي بلا تزمت، ولا تهجم، ولا حتى تذمر، ومع ذلك فقد أثارت حفيظة البعض، فعبّروا عن ذلك بآراء متناقضة تماما تجاه الدولة التركية، سأنقل وجهات نظرهم، ولكن بعد حذف الكثير من المفردات لعدم لباقتها.أخي بوإبراهيم أرسل لي محذرا من الذهاب الى تركيا لأنه اعتقد أنني تهجمت على السيد إردوغان، وقد أواجه مشكلة هناك، فطمأنته بأن ليس هناك أي تهجم، بل مجرد تمنيات بأن تأخذ اللغة العربية مكانها اللائق في تركيا، وأن تتحسن العلاقات العربية التركية بعيداً عن التأثير الحزبي عليها.أما الأخ راشد فقد أثارته جملة: «كنا متعطشين لرؤية التاريخ العثماني والاطلاع عليه، وعلى الآثار والمقتنيات العربية والإسلامية التي نقلت إليه إبان (الاحتلال العثماني) لكثير من البلاد العربية»، فقد اعترض على كلمة (الاحتلال العثماني)، فأرسل لي قائلا: «مقال جميل جدا، ولكن عندي ملاحظة، وهي أن الخلافة العثمانية المجيدة لم تحتل الوطن العربي، وإنما المستشرقون والكتاب الغربيون هم الذين روّجوا لهذه الأكذوبة للطعن في الإسلام».
فأجبته قائلا: «أخي العزيز، يطلق مسمى الاحتلال عندما يتم قسراً وبالقوة العسكرية الغاشمة على أي بلد، وهذا ما فعله العثمانيون، ولا دخل للمستشرقين في هذا التعريف، فالعراق احتل الكويت، وإيران احتلت الأحواز والجزر الإماراتية، فالاحتلال واحد لا يتجزأ»، فرد قائلا: «إذن بناء على كلامك، يمكن أن نقول، الاحتلال الأموي، الاحتلال العباسي، الاحتلال الأندلسي... إلخ»، فأجبته قائلا: «أخي راشد، نحن المسلمين العرب دائما نستخدم مصطلح الفتوحات الإسلامية، وهذا تعريف بالتأكيد لا يوافق ما يشعر به من احتلت أوطانه، فالإسبان يحتفلون سنويا بعيد تحرير بلادهم من العرب، ونحن الكويتيين نحتفل سنويا بعيد التحرير من الاحتلال العراقي».أما الأخ بو ناصر فكانت مداخلته طويلة وعنيفة ومختلفة ومتعارضة تماما مع رأي الأخ راشد، ومع ما أنا قصدته، سأختصر بعض ما أرسل لي، فقد قال: «كيف سمحت لخيالك أن يشطح فتترجى خيراً من تركيا في عهد إردوغان، كيف تتصور أن تقف تركيا مع دول الخليج العربي ومع العرب؟ وقال: إردوغان سعى في عهده إلى دعم حركات الإخوان المسلمين ضد الأنظمة العربية في الخليج، وفي الوطن العربي، وتدخل عسكريا في سورية وليبيا، وقال: إردوغان يحلم بخلافة تركية جديدة تستعبد العرب وتذلهم».من جهتي حاولت أن أبين وجهة نظري، بأنها أحلام أتمنى أن تتحقق، وعلى الجميع أن ينسوا الماضي المحزن، فمن مصلحتنا كعرب استقطاب تركيا، فهي قوة لا يستهان بها، كما أنه من مصلحة تركيا اقتصاديا، وحتى سياسا، أن تكون ضمن منظومتنا، طبعا بو ناصر لم يقتنع بما قلت.أما مداخلة الأخ أحمدي فهي محيرة، فموضوعنا يدور حول تركيا والعرب، إلا أنه أدخل إيران قسرا في الحسبة، مدعياً كراهيتنا وحقدنا عليها، لأنها، كما يدّعي ويتصور، هي من تقاوم إسرائيل فقد قال، بعد حذف مفردات كثيرة غير لائقة: «مقالتك عن تركيا ما كملت فيها اشلون الأتراك قعّدوا العرب على خوازيق، وعذبوهم عذاب اليهود ما عذبوه العرب والألمان، ليش ما تقولنا عن هالتاريخ؟ وليش ما تكتب عن الدجال الأكبر وعلاقاته مع إسرائيل، واستقباله للرئيس الإسرائيلي قبل جم أسبوع؟ وأنا أدري ليش تموتون عليه، بس نكاية بدولة شاقتكم شق، ومعورتكم، ولها إنجازات ضد إسرائيل وأميركا»، (قاصداً إيران). فلا أعلم هنا لماذا أدخل إيران في موضوعنا هذا، ولكنه كشف عما يعتمل في نفسه من طائفية وعنصرية مقيتة، وعن جهل لا يمكن تفسيره عن مكانة آل البيت في نفوس العرب، وذلك عند تعليقه على مقالة لاحقة عن العالِم العربي «عباس بن فرناس».نقول: العثمانيون احتلوا بالقوة دولاً عربية من أجل الهيمنة والمصالح العثمانية البحتة، فهي دول مسلمة، فلا علاقة للاحتلال بنشر الإسلام، ولكن المشكلة الكامنة هنا، والتي يبدو أن هناك من يشعر بغصة منها، أن من أخرج العثمانيين من ديارنا محتلون جدد لا يدينون بالإسلام، فتم أخيرا إخراج الجميع من ديارنا ليأتي إلينا احتلال من نوع جديد، وتغلغل وهيمنة أخطر وأمرّ من كل ما سبق بترتيبات أميركية إسرائيلية.ونقول: من حق كل الشعوب أن تحتفل بما تشاء، وليس من حقنا أن نجبر الآخرين على ما تهفو إليه نفوسنا وعواطفنا، ولكننا وللأمانة نستذكر هنا بأن العرب المسلمين عندما فتحوا، أو احتلوا، بلاد فارس والأندلس لم ينصبوا لهم الخوازيق، ولم يجهّلوهم، ولم يجبروهم على القتال لمصلحتهم، العرب أثروا التاريخ ونشروا العلم، وشجّعوا العلماء، عرباً وأعاجم.وكتبت في 29/ 4/ 2022 عن «العالم الأندلسي، عباس بن فرناس»، وهو وكما معروف عالم عربي أموي أندلسي، فلاحقني أخي أحمدي إليه، محتجا ولكن هذه المرة زودها حبات كثيرة، فقال معترضا: «حرام الكذب في الكتابة، وسوف أرفع الأمر إلى الإعلام لتزويرك للحقائق، فالكل يعرف أن المذاهب الأربعة طلعت من إيران (لا أعلم ما دخل المذاهب هنا)، وأن العلماء وأفضلهم بالعالم من إيران، بس ههههه القهر والحقد على الأصول الفارسية العريقة تخليك تألف يا مؤلف الفاضي، موت من القهر»، ثم كشف عن مكنونات نفسه عندما قال مستهزئا بنفس طائفي كريه، وجهل بتاريخه الديني: «ههه، عباس من اسمه إيراني، تبي «تتلزق» فيه؟».فيا أحمدي، العباس بن عبدالمطلب هو عم رسولنا الأكرم، فهو اسم لقريشي عربي وليس لإيراني، وكثير من العرب تشرفوا بحمل اسم العباس محبة به، ومنهم العربي عباس بن فرناس، وأنا أنصحك هنا يا أحمدي بأن تتقي الله في نفسك وفي بلدك إن كنت عربيا، أما إذا كنت إيرانيا فما عليك إلا أن تقرأ تاريخ بلدك جيداً، وستكتشف أن العرب تاريخيا لهم فضل كبير على بلادك، وأولهم الفاروق عمر بن الخطاب.