هل تتحارب أميركا وروسيا بسبب أوكرانيا؟
تقليدياً، كانت الدول تنضم إلى التحالفات لتحسين أمنها، لكن لم يعد الوضع كذلك بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فبنظر واشنطن، أصبحت التحالفات عبارة عن أعمال خيرية، ففي أوروبا مثلاً، تصطف الولايات المتحدة مع جيوش صغيرة، فقد ضمّت مقدونيا الشمالية ومونتينيغرو إلى حلف الناتو حديثاً.في المبدأ، تبدو مساعي إسقاط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فكرة صائبة. لكن ما من طريقة عملية كي تُحقق الولايات المتحدة هذا الهدف باستثناء هزم روسيا في حرب شاملة. ولا أحد يعرف من سيكون بديله في حال إسقاطه. يفوق القوميون الملتزمون عدد الليبراليين في روسيا. ومن المتوقع أن تعيد النُخَب الروسية الأكثر قدرة على إسقاط بوتين تقييم الوسائل التي يستعملها الرئيس أكثر من الغايات التي يصبو إليها. وسيكون أثر أي انهيار عنيف للدولة الروسية سلبياً جداً في أنحاء العالم.يتذمر صانعو السياسة الأميركية من الوضع لأن الخوف المتزايد من التصعيد النووي يمنعهم من تنفيذ ما يعتبرونه مناسباً للضغط على روسيا. لكن يجب أن تعكس أفضل سياسة محتملة الوقائع الميدانية. تتعلق أبرز العوامل المؤثرة بأهمية أوكرانيا بالنسبة إلى موسكو.
تعتبر الولايات المتحدة أوكرانيا مسألة هامشية. سيكون نجاح كييف في كبح العدوان الروسي الوحشي إنجازاً مدهشاً، لكن يُفترض ألا تجازف واشنطن بخوض الحرب لتحقيق هذا الهدف.كلما زاد الدعم الغربي لأوكرانيا، ستتصاعد الضغوط على روسيا للرد بما يتماشى مع مستوى ذلك الدعم. لا يستطيع فلاديمير بوتين أن يتحمّل كلفة الخسارة بغض النظر عن تعريفها. قد يفضّل القتال مثلاً على التفاوض، أو يختار التصعيد بدل التسوية. حتى أنه قد يميل إلى توريط روسيا في حرب شاملة ويستفيد من تفوّقه العسكري ويستخدم الأسلحة النووية أيضاً. وإذا تحوّل القتال إلى حرب شاملة بالوكالة مع واشنطن التي تحاول هزم روسيا أكثر من الدفاع عن أوكرانيا، قد تردّ موسكو بطرق غير متوقعة وتُوسّع نطاق الصراع. يجب أن تتذكر واشنطن أن التحالفات ليست مجانية وأن اكتساب الحلفاء قد يكون مكلفاً جداً. كان الناتو يهدف في الأساس إلى إبقاء السوفيات خارج أوروبا الغربية. وحتى الرئيس دوايت أيزنهاور رفض الانتقال إلى الهجوم حين أطلق الاتحاد السوفياتي حملته القمعية في ألمانيا الشرقية والمجر. تردد الرئيس ليندون جونسون بالشكل نفسه أيضاً حين اجتاح السوفيات وحلفاؤهم المنطقة التي شكّلت تشيكوسلوفاكيا سابقاً.لكن سيتابع الحلف توسّعه على الأرجح، إذ من المتوقع أن تنضم فنلندا والسويد إليه في المرحلة المقبلة. حتى أن أوكرانيا قد تنتسب إليه. كثمنٍ للحياد، تطالب كييف بضمانات عسكرية تشبه إلى حد كبير محتوى المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو. من المعروف أن زيادة الدعم الغربي تُشجّع أوكرانيا على القتال بدل التفاوض. وإذا هزمت أوكرانيا موسكو (يبقى هذا الاحتمال مستبعداً نظراً إلى التقدم الروسي البطيء لكن المتواصل شرقاً)، ستزيد نزعة الناتو لضم أوكرانيا إلى صفوفه.يتابع أعضاء الحلف والمسؤولون فيه التصرف وكأنهم ملزمون بقبول أي بلد يطلب الانضمام إليهم. لكنه نهج سخيف. ينص ميثاق الناتو على دعوة الدول التي يعتبرها الحلف قادرة على تعزيز الأمن المشترك. تهرّب الناتو مثلاً من ضم أوكرانيا منذ العام 2014 لأن انتساب هذا البلد، إلى جانب جورجيا، كان ليزيد احتمال الحرب. من المعروف أن الفشل في إغلاق باب الناتو أمام بعض الدول صراحةً هو السبب الكامن وراء الغزو الروسي لأوكرانيا.يجب أن يعود الرئيس الأميركي أو كل من هو مسؤول عن السياسة الأميركية راهناً من شفير الهاوية. كلما طالت مدة الحرب الروسية الأوكرانية، ستزيد مظاهر الموت والدمار في أوكرانيا، وتتوسّع عزلة روسيا وتطرفها، ويرتفع احتمال تمدّد الصراع غرباً. يجب أن تحاول واشنطن وحلفاؤها في الناتو إذاً إنهاء الصراع بدل توسيع نطاقه.* دوغ باندو