من صيد الخاطر: «لو رَتَعْتَ لَرَتَعُوا»
«عَفَفْتَ فَعَفُّوا ولو رَتَعْتَ لَرَتَعُوا»، كلمات كافية وافية قالها علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب، فأين أمتنا اليوم من الفاروق، والصدّيق، وذو النورين، وكريم الوجه، رضي الله عنهم وأرضاهم جميعا، إنها أمة نسيت مكارم الأخلاق التي بعث من أجلها رسولنا محمد، فهو الذي قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».كان كسرى الفرس مترفاً، ولما انتصر عليه العرب المسلمون هرب من عاصمته المدائن، تاركا وراءه كل ثروته من القناطير المقنطرة من ذهب وفضة وأحجار كريمة، وقعت كلها غنائم بيد المسلمين، ولما دخل سعد بن أبي وقاص، قائد الجيش، قصر كسرى تلا قوله تعالى: «كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ».دفعت تلك الغنائم إلى الخليفة عمر بن الخطاب، وكان من بينها تاج كسرى المرصع بالجواهر، وبساطه المنسوج بالذهب واللؤلؤ، فقال عمر مادحا رجاله: إن قوماً بعثوا هذا لأمناء، فقال له عليّ قولته المشهورة: يا أمير المؤمنين، عففتَ فعفّت الرعية، ولو رتعت لرتعوا»، وقد قال رجل لعمر: يا أمير المؤمنين، لو وسّعت على نفسك في النفقة من مال الله تعالى، فقال له عمر: أتدري ما مَثَلي ومثل هؤلاء؟ كمثل قوم كانوا في سفر فجمعوا منهم مالاً وسلموه إلى واحد منهم ينفقه عليهم، فهل يحل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم من أموالهم؟ وقال رضي الله عنه: «إن الناس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهُداتهم، وقال: الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، فإن رتع الإمام رتعوا»، كان رضي الله عنه إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدَّم أولاً لأهله، فقال: «لا أعلمنَّ أحداً وقع في شيء مما نهيتُ عنه إلا أضعفتُ عليه العقوبة». وعندما تولى أبو بكر الصديق الخلافة مضى من يومه يريد أن يعمل ويتكّسب من تجارته، فقالوا له: قد وليت أمرنا فافرغ لنا، أي تفرغ لإدارة شؤون البلاد، فقال: قوتي وقوت عيالي، قالوا: نفرض لك من بيت مال المسلمين، فقدّر لنفسه أقل القليل من طعام وشراب، وحصل أن سألته امرأة: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ فرد عليها قائلا: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم.
فويل لأمة عم فيها الفساد، وانتشرت فيها الرشوة، وكثر فيها المنافقون، وأسندت مصالح البلاد الى الجهّال، وشرّع لها المزورون.