الدروس الخصوصية أزمة تعيشها كثير من الأسر في كل عام، ومع اقتراب امتحانات نهاية العام الدراسي تنشط وترتفع أسعار الساعة في الدرس الخصوصي، فما أسباب اللجوء للدروس الخصوصية؟ وهل هي حل ومساعدة مشروعة، أم أنها مشكلة يجب القضاء عليها؟ في مقاربته للموضوع، يرى الوكيل المساعد للتنمية التربوية والأنشطة في وزارة التربية فيصل المقصيد، أن "الدروس الخصوصية ظاهرة عالمية، وليست محلية، ومعظم الأسر تلجأ إليها في مختلف المراحل الدراسية، حتى طلاب الجامعة تجد منهم من يستعين بالمدرس الخصوصي، وهذا يحدث لأن الطالب لا يشعر بأنه حصل في الحصة الدراسية في المدرسة على المعلومة بالشكل الكافي، فيلجأ للمدرس الخصوصي ليكمل له النواقص".
وأضاف المقصيد: "ها نحن على أعتاب امتحانات نهاية العام الدراسي، وهذه فترة انتعاش للدروس الخصوصية، حيث يحتاج الطلبة من يساعدهم في تحصيل المعلومات ومراجعة الدروس. بالتأكيد لا نحبذ هذا الشيء، ولم يكن معتادا بالنسبة لنا في الماضي أن يدخل المدرس إلى بيوتنا، لأن الفكر التعليمي في السابق كان مختلفا عما هو عليه الآن بالنسبة للمعلم وعلاقته مع الطالب".وتابع: "ما نتمناه أن يستفيد الطالب من اليوم المدرسي، ومن المعلم، ويسأل عن كل ما يريد معرفته، والمعلم لن يبخل على الطلاب، وكثير من المدارس في (التربية) فتحت التطوع بالفترة المسائية أو الصباحية لاستغلال وقت الفراغ، واستثماره بحصص تقوية في المواد، ما يساعد الطلاب على التحصيل بشكل أفضل، وفهم أي مادة يشعر الطالب أنه ضعيف بها، وهذا يساعد في التقليل من اللجوء للمدرس الخصوصي".
تضارب المصالح
بدوره، قال مدير مدرسة مساعد بوزارة التربية محمد السداني، إن "وزارة التربية والتعليم تحاول المحافظة على مبدأ عدم تضارب المصالح ما بين المعلم والطالب، والحفاظ على حدود العلاقة بينهما. من الجانب المنطقي، لا أجد أي مانع أن يقدم المعلم درسا خصوصيا، سواء أكان في قاعة أم معهد أم أي مكان آخر، لكن اللوائح التي تصدر من الوزارة تنص على أن المعلم محظور عليه ممارسة الدروس الخصوصية، وبناء عليه يتم توزيع النشرات على المعلمين، ويوقعون عليها، وهذا هو الإجراء المتبع، وفي حالة ضبط أي حالة مخالفة، وهذا يحدث فقط عن طريق البلاغات، فنحن كمدرسة لا نتعامل معها، وزارة التربية هي التي تتخذ الإجراء مع المعلم".وأضاف السداني: "لا أرى أي مشكلة في الدروس الخصوصية، لكن المشكلة الحقيقية في تدني مستوى التعليم، وتدني خدمات التعليم الحكومية. المشكلة في الإدارة التعليمية التي تدير التعليم بهذا الهيكل الضخم. الدروس الخصوصية هي علاج لأسر كثيرة يعاني أبناؤها عدم التحصيل الجيد، أو فاتهم عدد من الدروس لأي سبب كان، فيقدم له المدرس الخصوصي العون، ليشرح له ما يصعب عليه بصورة أيسر، أو يستكمل معه ما فاته من دروس".وتابع: "نجد الطبيب في المستشفى الحكومي لديه عيادته الخاصة، والمهندس كذلك، والإعلامي، فلماذا المدرس تحديدا يحظر عليه العمل بالدروس الخصوصية؟ وهنا أضع علامة استفهام كبيرة حول هذا الموضوع، لأنه غير منطقي"."مبررات "الخصوصية
وقال السداني: "الاتهام الذي يُوجَّه للمعلم الذي يعمل بالدروس الخصوصية أنه مقصِّر في المدرسة ليس صحيحا، وإن وُجد فبنسبة قليلة، وما الإثبات على مثل هذا الادعاء؟ والسؤال الأهم: لماذا يعطي المدرس دروسا خصوصيا بعد فترة الدوام؟ الإجابة لأن المعلمين الذين يعملون بالدروس الخصوصية أغلبهم من الإخوة الوافدين، وهذا له أسبابه، فالمعلم الوافد منذ تعيينه حتى ثلاثين عاما بعدها يبقى راتبه ثابتا، ولا تصرف له حوافز أو بدلات. راتب ثابت مع ضغوط الحياة والغلاء وتطلب منه ألا يعمل في الدروس الخصوصية ويكتفي بهذا الراتب، هذا يُعد ظلما، فحين توفر له راتبا يساعده على توفير حياة كريمة لأسرته لن تجده يبحث عن التنقل من بيت لبيت، أو من كافيه لآخر، فهذا ليس بالأمر الممتع له بكل تأكيد، فهو يقوم بذلك نظراً لحاجته".وتابع: "ولي الأمر مغلوب على أمره، فهو يود أن يحصل ابنه أو ابنته على نسبة عالية، حتى يلتحق بجامعات وتخصصات جيدة، وهناك مشكلة كبيرة في التعليم، لكن المجتمع لا يثور على القضايا التعليمية، ولا أحد يقاتل من أجلها، ما يثورون عليه الاختبارات الإلكترونية وتعديل لائحة الغش، أما القضايا التي تخص جودة وكفاءة التعليم فلا تلقى اهتماما من المجتمع".آفة وتقصير
فيما رأى المنسق العام لمبادرة "معلمون متطوعون" المعلم بدر بن غيث، أن الدروس الخصوصية تُعد آفة، والسبب أن طريقة تقييم الطالب تعتمد على الاختبار فقط، فيلجأ إلى المدرس الخصوصي ليعلمه شكل قالب الاختبارات، ويحفظه الإجابات، وبهذا ينجح الطالب.وقال: "للتخلص من هذه الآفة نحتاج إلى تدخل وزارة التربية ومؤسسات المجتمع المدني، وإلى مراكز للتقوية في المواد، ويجب أن يتم تغيير نمط تقييم الطلاب، فبدلاً من الاختبارات الورقية من الممكن أن نلجأ للتقييم من خلال المشاريع، سواء كان التعليم العام أو الجامعي".وأضاف بن غيث: "المدرس الخصوصي ليس شرطا أن يكون ملتحقا بوزارة التربية أو لديه شهادة تخصص، فيستطيع وضع إعلان بأنه مدرس في مادة ما، وحتى إن كان مدرساً بإحدى مدارس (التربية)، فهو على الأغلب يقصِّر في عمله وواجباته كمدرس داخل المدرسة، لأن ما يحصله من مردود مادي من الدروس الخصوصية أفضل بكثير من الراتب، وهو ما حوَّل التعليم إلى فكرة أدفع لأنجح".أعباء مرهقة
وتابع: "الدروس الخصوصية لم تعد فقط عبارة عن مدرس يحضر للمنزل، فهناك تطبيقات ذكية ومعاهد تقدم خدمة المدرس الخصوصي، وهذا يثقل كاهل العائلة، فأولياء الأمور يدفعون مبالغ طائلة، فماذا تفعل الأسرة إذا كان لديها أربعة أو خمسة أبناء بحاجة للدروس الخصوصية؟ في هذه الحالة أرى أن نغلق المدارس، لأنه بذلك لم يعد التعليم المستقل مجانيا، كما هو مذكور بالدستور".وأضاف: "المدرس الخصوصي إذا لم يكن حاصلاً على موافقة وزارة التربية وله مشروعية العمل أصبح شخصا خارجا عن القانون ومتلفا لمجهودات المدرسة".ورأى بن غيث، أنه لعلاج الدروس الخصوصية، تربويا لابد من إعادة النظر في مراكز التقوية المسائية التي تقدمها وزارة التربية، لتبحث عن كم التحصيل الدراسي الذي تلقاه الطالب، ومدى استفادته، ومراعاة الحالات النفسية والاجتماعية المختلفة بين الطلبة، ونستطيع تخصيص قاعات بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي، لتخدم الطلبة، ونستعين بالمعلمين المتطوعين في مختلف المواد، ما يضمن لولي الأمر والطالب أنه مدرس متخصص في المادة التي يقدمها، ويستطيع الطالب الرجوع له في أي وقت. المدرس الخصوصي ليس ضمانا لنجاح الطالب، كما أن الطلاب منذ انتشار الدروس الخصوصية فقدوا الثقة في المدرسة والمعلم، وأصبح حضورهم للمدرسة لتجنب الغيابات فقط".مناهج ورواتب
من جهتها، قالت عضو مبادرة "معلمون متطوعون" غنيمة الكندري: "الدروس الخصوصية أحد أسباب جعل الطلاب اتكاليين، وبعض المعلمين لا يقدمون كامل طاقتهم داخل الحصة الدراسية، لاعتمادهم على العمل بالدروس الخصوصية، والسبب في هذا هو ضعف رواتب المدرسين واحتياجاتهم المادية والحياتية، كما أن هذه الدروس عبء على أولياء الأمور لا يُستهان به، فتكلفة الساعة الواحدة في الدرس الخصوصي من 10 إلى 20 دينارا".وأضافت الكندري: "أسباب اللجوء للدروس الخصوصية كثيرة، منها صعوبة المنهج، الذي يعتمد على الحفظ والاسترجاع لا على الفهم، ووقت التحصيل العلمي ضيق جداً، ما أدى إلى ضغط المنهج في مدة أقل، وفي بعض الأوقات يكون اللجوء لهذه الدروس أحد أسبابه الأسرة نفسها، لانشغالهم عن متابعة تحصيل ودراسة الطالب في المنزل".وتابعت: "الحل في تطوير المناهج، فنحن الآن نعاني مشكلة كبيرة وعيوبا كثيرة في مناهجنا، فهي تعتمد على الحفظ وتلقين معلومات بكم هائل، ويجب أيضاً إعادة تأهيل المعلم، وهذا سيساهم بالتأكيد في تطوير التعليم، ويجب أن يبدأ من دراستهم في الجامعة، مع توفير دورات تدريبية تؤهلهم لإيصال المعلومة بشكل صحيح، والشيء الأخير هو توعية المجتمع ضد هذه الظاهرة، التي أصبحت اعتيادية، ولا يتم استنكارها أو رفضها من غالبية الأسر".النصار: ظاهرة تحتاج إلى التقنين
ذكر مدير إحدى المدارس خالد النصار، أن المعلمين والتربويين لا يرفضون فكرة دروس التقوية، بل يرفضون فكرة انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، فدروس التقوية مقبولة من الجميع، بما في ذلك وزارة التربية، التي أنشأت مراكز رعاية المتعلمين، إضافة إلى التعاون مع جمعية المعلمين، "أنا مع الدروس الخصوصية إن كانت مقننة وغير عشوائية، فمن غير المقبول أن يقوم من ليس له علاقة بالتدريس بإعطاء دروس خصوصية لأبنائنا".وأضاف النصار: "لم نكن نرى في السبعينيات أو الثمانينيات أو التسعينيات ظاهرة الدروس الخصوصية، لاسيما في المرحلة الابتدائية، وعلى الأسرة العمل على متابعة الأبناء ودروسهم وواجباتهم، حتى نحد من هذه الظاهرة المنتشرة بشكل غير قانوني، ويعمل بها من ليس له علاقة بالتدريس، وعلى جميع الجهات والوزارات التعاون معاً، لمتابعة ومراقبة هذه المشكلة".وأكمل: "من المفترض أن يقدم المدرس جهداً أكبر في الحصة الدراسية، لأن البعض أصبح يقدم الحد الأدنى من الجهد. من الممكن أن تنظم (التربية) موضوع الدروس الخصوصية عن طريق تقنينه، والسماح لعدد من المعلمين في الوزارة بممارسة مهنة الدروس الخصوصية المنزلية، ليطمئن أولياء الأمور والأسرة لهذا المعلم الذي يدخل منازلهم".