في بداية هذا العام، أعربتُ عن بعض المخاوف بشأن التوقعات المتعلقة بالأسواق المالية، وذلك نظرا إلى الشكوك الكبيرة التي يمكنني تحديدها، وكذا بسبب العديد من المخاطر المحتملة الأخرى التي لم تكن واضحة بعد، وكان ذلك بعد أن بدأت روسيا بحشد القوات على حدود أوكرانيا، ولكن قبل أن تقوم بغزوها، والآن بعد شن روسيا حربها العدوانية، فقد تم إبعادها بالكامل تقريبا عن الاقتصاد والأسواق الدولية، إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية بشكل هائل.وفي الوقت نفسه، أجرت البنوك المركزية الغربية تحولا كبيرا في مواقفها السياسية، بعد أن تخلت أخيرا عن فكرة أن التضخم القائم يُعد مجرد ظاهرة مؤقتة من شأنها أن تتلاشى من تلقاء نفسها، كما تعمل عمدا على تشديد الظروف المالية العالمية، وذلك بالإضافة إلى الضغوط الدورية على دخل الأسر، وبالتالي على الاقتصاد بشكل عام.
كما لو أن هذا لم يكن كافيا، فقد تمت عرقلة اقتصاد الصين، عن عمد بسبب استراتيجية «صفر كوفيد أو صفر إصابات بفيروس كورونا» التي اعتمدتها الحكومة الصينية، ويأتي هذا على رأس الجهود القائمة للحد من أسعار السكن المفرطة، وخفض نمو الائتمان، والسيطرة على قطاعات الأعمال التي يُنظر إليها على أنها تتداخل مع هدف الحكومة الجديد «للنمو الأكثر عدلا».وبالنظر إلى هذه المُستجدات، يبدو أننا نواجه خطر حدوث ركود عالمي، إذا كان الأمر كذلك، فسيكون مفاجئا بشكل ملحوظ، وسيحدث بعد فترة وجيزة من فترات الركود المُصغرة الناجمة عن عمليات الإغلاق في عامي 2020 و2021، فإلى أي مدى قد يكون هذا الركود سيئا، وهل هناك سياسات يمكن أن تتجنبه، أو على الأقل أن تقلل من حجمه وشدته؟يشعر صُناع السياسة الصينيون بالقلق من أن اتخاذ أي موقف أكثر تساهلا بشأن فيروس كوفيد19 قد ينجم عنه رفع معدل الإصابات وتجاوز الطاقة الاستيعابية للمستشفيات الحضرية في البلاد، وبما أننا شهدنا بالفعل أحداثا مشابهة في أماكن أخرى، لا يمكن انتقاد الصين لكونها حذرة بشكل عام، لكن الأدلة تشير إلى أن مُتحور أوميكرون قابل للانتقال إلى حد أنه حتى عمليات الإغلاق من غير المرجح أن توقفه تماما، علاوة على ذلك، يبدو أنه أقل ضراوة من المتغيرات السابقة، مما يجعل من الصعب تبرير الاستجابة الصارمة.تأتي استراتيجية الصين الصريحة لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد على رأس قائمة أسباب اقتصاد ضعيف بالفعل، بالإضافة إلى نقاط الضعف الدورية الأساسية، وتُظهر أحدث البيانات التجارية لشهر أبريل أن الواردات الصينية لا تزال منخفضة بشكل استثنائي، مجرد واحدة من العديد من الإشارات التي تشير إلى ضعف الاقتصاد.تُخلف التحديات التي تواجه الصين آثارا تتجاوز الاقتصاد والأسواق، لطالما أضفت قيادة الحزب الوحيد في الصين الشرعية على حكمها من خلال توفير مستويات معيشية مرتفعة باستمرار لسكان البلاد البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، لكن هذا الاتفاق الضمني لا يمكن أن يستمر بسهولة في ظل ظروف الضعف الاقتصادي المستمر.بعد مراقبة الصين لأكثر من 30 عاما، يمكنني القول إن إحدى أكبر نقاط القوة لحكومتها تتمثل في إدارتها الجيدة للمخاطر بشكل استثنائي، فقد عالجت في الماضي مشاكل محتملة رئيسة بشكل حاسم وفي الوقت المناسب، عكس ما نشهده اليوم، فإذا لم تُغير مسارها قريبا، فسيكون لذلك عواقب وخيمة على اقتصادها وبقية العالم، ومن ناحية أخرى، إذا تمكنت الحكومة من التخلي عن استراتيجية «صفر كوفيد» وبعض الإجراءات القمعية الاقتصادية الأخرى الأكثر قسوة، فقد ينتعش النمو بسرعة.أما بالنسبة لبقية العالم، فإن عاملين رئيسين بصرف النظر عن الصين سيُحددان كيفية سير الأمور: سياسات البنوك المركزية الكبرى وفلاديمير بوتين. ما زالت نوايا الرئيس الروسي صعبة التوقع اليوم كما كانت قبل ثلاثة أشهر عندما شن غزوه، ويُظهر الدعم المفاجئ الذي قدمته فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي أن بوتين أساء التقدير بشكل كبير، وعلى الرغم من أنه قد لا ينهي الحرب، فإن غباءه قد يؤدي إلى إبعاده عن السلطة (على الرغم من أن العديد من علماء الكرملين يعتبرون هذا الأمر مُستبعدا).في كل الأحوال، كانت الضربة التي لحقت بالدخل الحقيقي من ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية موجعة لدرجة أنه يتعين على البنوك المركزية أن تفكر مليا في سياساتها القمعية الجديدة، فبعد كل شيء، إذا كان السبيل للسيطرة على التضخم يتمثل في إضعاف الاقتصاد، فإن ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية، إلى جانب تشديد الأوضاع المالية، ربما يكون قد أدى بالفعل مهمة البنوك المركزية نيابة عنها.وإذا كانت توقعات التضخم على المدى الطويل في ارتفاع مُستمر ولم تعد راسخة، فلا شك أن ذلك من شأنه أن يغير الحسابات إلى حد كبير، ففي الولايات المتحدة، يُظهر أحدث مؤشر لأسعار المستهلك أن التضخم الأساسي لا يزال أعلى من 6 في المئة، مع تسارع تضخم أسعار قطاع الخدمات، ولذلك، قد لا يرى بنك الاحتياطي الفدرالي أي سبب وجيه للتخلي عن مسار تشديد السياسة النقدية الذي ألمح إليه بشكل صريح.ومع ذلك، يتعين على بنك الاحتياطي الفدرالي النظر في خفض الدخل الحقيقي المُتاح في الولايات المتحدة، فعلى الرغم من أن التراجع لم يكن شديدا كما هي الحال في أوروبا، فإنه كان هائلا، وربما يكون التشديد القوي للظروف المالية قد زرع بالفعل بذور الانكماش الاقتصادي قريبا.هل نتجه إذاً نحو ركود عالمي؟ الجواب: المستقبل سيعتمد كثيرا على بنك الاحتياطي الفدرالي، والقيادة الصينية، والشفرات المُنعزلة والمتقلبة في الكرملين.* جيم أونيل الرئيس السابق لشركة غولدمان ساكس لإدارة الأصول ووزير الخزانة البريطاني السابق، وعضو في لجنة عموم أوروبا للصحة والتنمية المستدامة.
مقالات
حدوث ركود عالمي جديد
22-05-2022