وسط حراك إقليمي ودولي لاحتواء التوترات في المنطقة وإنهاء «ملفات ساخنة» تضمن النزاع اليمني والخلاف بين إيران والولايات المتحدة الذي يهدد بانهيار الجهود الدبلوماسية الرامية لإحياء الاتفاق النووي، يصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، غداً، إلى العاصمة العمانية مسقط، على رأس وفد رفيع المستوى، تلبية لدعوة سلطان عُمان هيثم بن طارق. وفي حين تتواصل الاحتجاجات ضد الغلاء؛ التي رفعت شعارات سياسية، حيث نزل أنصار الحكومة في احتجاجات مضادة، ذكر بيان للرئاسة الإيرانية، أمس، أن رئيسي سيتوجه للسلطنة «استمراراً لدبلوماسية الجوار، ولتوسيع العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية، وتلبية لدعوة رسمية من سلطان عمان هيثم بن طارق».وأضاف أنه «من المقرر أن يلتقي رئيسي بسلطان عُمان في قصر العلم، ويوقّع على عدد من وثائق التعاون الثنائي، إلى جانب لقائه الإيرانيين المقيمين في عمان والمستثمرين العمانيين».
وتعدّ زيارة رئيسي إلى مسقط ثاني محطة خليجية له منذ توليه منصبه في أغسطس الماضي، حيث زار العاصمة القطرية الدوحة في فبراير الماضي، كأول زيارة له لدولة خليجية.
ملفات ساخنة
وما يميز زيارة رئيسي المرتقبة إلى سلطنة عمان أن دلالاتها تتجاوز العلاقات الثنائية بين طهران ومسقط، ورغبة الحكومة الإيرانية الحالية في تطوير العلاقات مع الجيران إلى ملفات إقليمية ودولية ساخنة، في مقدمتها المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، لإحياء الاتفاق النووي المترنّح في إطار مفاوضات فيينا النووية المتوقفة منذ منتصف مارس الماضي، لكنّها متواصلة بصيغة أخرى عبر مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي منسق المفاوضات، إنريكي مورا، الذي ينقل الرسائل بين الإيرانيين والأميركيين، ومن المقرر أن يزور الجمهورية الإسلامية اليوم، في زيارة تستمر 4 أيام، على أمل حلحلة القضايا المتبقية لإحياء الصفقة الذرية التي انسحبت منها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018.ولعبت سلطنة عمان طوال السنوات الماضية دوراً نشطاً في الوساطة بين طهران وكل من واشنطن ولندن لعقد صفقات تبادل السجناء. وإضافة إلى ذلك، تنشط سلطنة عمان، عضو مجلس التعاون الخليجي، بجهود لافتة للتوسط من أجل إنهاء النزاع اليمني، حيث تحتفظ بعلاقات جيدة مع جماعة «أنصار الله» الحوثية، المدعومة من إيران.تشاؤم نووي
وقبيل وصول مورا إلى طهران، رأى دبلوماسي أوروبي حاضر في محادثات فيينا، أن إيران وأميركا تتحركان باتجاهين مختلفين في المحادثات، وتوقّع أن الخلافات بين البلدين لن تنخفض.وأضاف الدبلوماسي الأوروبي في تصريحات أمس: «كل يوم يمر دون اتفاق، يزداد خطر فقدان كل شيء بشكل كبير، والمسافة بينهما لا تقل».ووصف خبير قبول إيران المحتمل لبحث إزالة «الحرس الثوري» الإيراني من قائمة الإرهاب بعد إحياء «الاتفاق النووي» بأنه «تبسيط مفرط للقضية»، وشدد على أنه متشائم من هذا الاحتمال.وأمس الأول، أكد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، لمنسق السياسة الأوروبية، جوزيب بوريل، أنه في زيارة مورا الأخيرة لطهران تمت مناقشة «بعض المبادرات»، مؤكدا أن إيران لديها النوايا الحسنة والإرادة للتوصل إلى اتفاق.وكان مورا قد زار واشنطن لنقل ما وصفته طهران بـ «مبادرة ومقترحات»، بعد أن أكد الوسيط الأوروبي أنه يسعى لحل وسط من أجل إنجاح مفاوضات فيينا.الرياض وواشنطن
في السياق، تصدّر ملفا اليمن وإيران مباحثات أجرها نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في واشنطن أمس.ووفق «الخارجية» الأميركية، فإن بلينكن والأمير خالد بن سلمان ناقشا خلال لقائهما أهمية الحفاظ على دعم أوكرانيا وتأثير الحرب على سوق الطاقة العالمي.وشدد بن سلمان على أهمية الدور المهم الملقى على عاتق الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للضغط على ميليشيات الحوثي الانقلابية، لإجبارها على الانخراط بجدية، ضمن جهود السلام، وضرورة فتح طريق تعز المحاصرة.جاء ذلك خلال لقاء جمع بن سلمان، يوم الجمعة، بالمبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، بالعاصمة الأميركية واشنطن، وبحثا خلاله الشأن اليمني ومستجداته الراهنة، فضلا عن تأكيده على تطلعات بلاده، والتحالف العربي، في الوصول باليمن إلى حل سياسي شامل، تنتقل بموجبه البلاد إلى الأمن والاستقرار.وقال بن سلمان إنه أكد للمبعوق الأميركي «أنه رغم إيجابية الهدنة المعلنة لحدٍّ كبير، فإن هناك دوراً مهماً يجب على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي القيام به، للضغط على الميليشيات الحوثية، لفتح طرق تعز، وإيداع إيرادات ميناء الحُديدة، والانخراط بجدية في جهود السلام، لينتقل اليمن إلى الأمن والاستقرار».ماكرون وبن سلمان
في موازاة ذلك، تلقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مساء أمس الأول، اتصالاً هاتفياً، من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، جرى خلاله استعراض العلاقات بين البلدين.وعبّر الأمير محمد، في بداية الاتصال، عن التهنئة للرئيس الفرنسي بإعادة انتخابه، وتم استعراض العلاقات السعودية - الفرنسية، والتأكيد على الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وبحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، والجهود المبذولة بشأنها بما يحقق الأمن والاستقرار.من جانبها، أوضحت الرئاسة الفرنسية أن ماكرون وبن سلمان ناقشا سبل تهدئة التوترات في المنطقة، وشدد الرئيس الفرنسي على ضرورة مواصلة الجهود للحد من التوترات في المنطقة، في سياق متابعة نتائج مؤتمر بغداد الذي ضم العام الماضي كل اللاعبين في المنطقة.كما بحث الرئيس الفرنسي وولي عهد السعودية، الأوضاع في لبنان بعد الانتخابات التشريعية، وأكدا مجدداً الحاجة إلى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتعافي هذا البلد، والتي يتوقّعها اللبنانيون والمجتمع الدولي، وجددا تأكيد رغبتهما في مواصلة التنسيق لدعم الشعب اللبناني.كما جدد ولي العهد والرئيس الفرنسي، حرصهما على تعزيز التعاون والشراكة بين البلدين.