يوماً بعد آخر يتضح حجم الأزمة المقبل عليها لبنان في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، إذ سيواجه البلد أزمة متشعبة برؤوس متعددة، بدأت ملامحها مع الخلاف القائم حول انتخاب رئيس مجلس النواب. فقد أعلنت القوى التغييرية صراحة رفضها انتخاب نبيه بري مجدداً لمنصب رئيس المجلس، الذي يتولاه منذ عام 1992 لست دورات متتالية، كما أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن بري لا يتمتع بالمواصفات المطلوبة، بينما ترك زعيم «التيار الوطني الحر» جبران باسيل هامشاً للمناورة بقوله إنه غير ملزم بانتخاب برّي.
هذه الأزمة السياسية التي تواجه المجلس النيابي مع انطلاقته سيكون لها آثار متعددة في المرحلة المقبلة على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وستنسحب على آلية تشكيل الحكومة وغيرها.منذ صدور النتائج بدأت حملة مركزة على بري، مع ضخ أجواء وتسريب معلومات بأنه قد يتنحى ويختار شخصاً من كتلته النيابية ليحلّ بدلاً منه. وسارع برّي إلى نفي هذا الأمر، قبل أن تعلن كتلته أمس ترشيحه للمنصب.وفي حين يشير مقربون من بري إلى أنه يفضّل تأجيل الدعوة إلى جلسة لانتخاب هيئة مكتب المجلس إلى حين الوصول إلى اتفاق، يجري «حزب الله» مفاوضات مع «التيار الوطني» بهدف تأمين «الميثاقية المسيحية» لانتخاب برّي.
في المقابل، يطالب «التيار» بمنصب نائب رئيس المجلس، ويطلب ضمانات حول شكل الحكومة التي ستتشكل وحصته فيها، وأخرى تتعلق بإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وبناء على تولي «حزب الله» بنفسه التفاوض مع باسيل يمكن القول إن برّي ضمن عودته إلى رئاسة المجلس لدورة سابعة. من جهة أخرى، سينال بري كذلك دعم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي يعتبر أن هناك محاولة لبنانية ـــ سورية لتطويق زعيم حركة أمل «لإحراجه ثم إخراجه» من المعادلة. كذلك لن يسمح جنبلاط لعون أن يقول «كش ملك» لبري وأن يتمكن من إزاحته من رئاسة المجلس قبل خروجه من رئاسة الجمهورية. و«حزب الله» نفسه غير قادر على السماح بتمرير مثل هذا الأمر لما سيكون له من تداعيات سلبية على واقع البيئة الشيعية، وهو ما سيؤسس إلى تشظٍّ كبير داخل الطائفة، لن يكون الحزب قادراً على تحمّله.تؤشر هذه المعطيات إلى أن لبنان سيكون مقبلاً على أزمات متوالية بفعل الانقسامات القائمة، وهو ما سينسحب على عملية تشكيل الحكومة، إذ أعلن كل من الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله وباسيل رفضهما لتشكيل حكومة تكنوقراط ويطالبان بحكومة وحدة وطنية سياسية تتمثل فيها كل القوى. وفي وقت كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يسعى إلى إعادة تشكيل حكومة مشابهة لحكومته الحالية، لتمرير مرحلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، جوبه ميقاتي برفض من قبل «حزب الله» وباسيل، الأمر الذي دفعه إلى الانفجار بوجه «التيار» في الجلسة الحكومية الأخيرة قبل أن تدخل حكومته في مرحلة تصريف الأعمال. فكشف ميقاتي أن «التيار» هو الذي عمل على إفشال خطة الكهرباء وإسقاطها، وكأن باسيل يريد أن يبقي هذا الملف بين يديه إلى ما بعد تشكيل الحكومة الجديدة وربما إلى ما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية. كل هذه الملفات ستكون داهمة في المرحلة المقبلة وسيكون لها انعكاسات سلبية متعددة على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مما ينذر بتفجر أزمات اجتماعية تبدأ بأزمة الاتصالات التي ستتسبب فيها زيادة تعرفة الاتصالات ولا تنتهي بأزمة الخبز.