رياح وأوتاد: ردة فعل شعبية وعلمية لا شعبوية
لم أستغرب ردة الفعل الشعبية الرافضة لتصريح وزير التجارة «إن كل شيء في الكويت متاح للخصخصة»، وذلك لأسباب عديدة منها أن جميع التجارب السابقة للخصخصة في الكويت لم تنجح في تحقيق الأهداف الرئيسة للخصخصة كما عبرت عنها التجارب الناجحة واستفاض في شرحها المتخصصون، وأول هذه الأهداف هو زيادة تعيين المواطنين في القطاع الخاص، وأيضاً زيادة دخل الدولة من إيرادات هذا القطاع وتقليل المصروفات الحكومية، وكذلك تقديم الخدمات المتقدمة للمواطنين في المجالات التي يتم تخصيصها، ونقل التكنولوجيا والإدارة المتقدمة، وبناء على هذه الأهداف تكون الحكومة هي المرخص والمنظم والمراقب لجودة الخدمة وملاءمتها، مع تقديم الحكومة التسهيلات المناسبة للقطاع الخاص للقيام بهذه الواجبات. ولكن من الملاحظ أن مساهمة القطاع الخاص في توظيف الكويتيين ما زالت ضعيفة جدا، كما أن تقديم الحكومة لكثير من الخدمات يعد أفضل من القطاع الخاص، والقطاع الصحي هو من الأدلة على ذلك، أما مراقبة الجهات الحكومية لمستوى الخدمات الخاصة فيعاني خللاً شديداً سببه الفساد والغلاء والواسطة، ولا يمكن تبرئة الحكومة والمجلس من هذا الوضع، حيث تمت زيادة امتيازات وإغراءات القطاع الحكومي بقرارات وتشريعات لم تشمل القطاع الخاص، مما أدى إلى هجرة الشباب إلى العمل الحكومي، كما لم يقم المجلس بوضع التشريعات المناسبة للرقابة على جودة الخدمات في القطاع الخاص، كما أن قانون حماية المنافسة الذي صدر منذ نحو 15 عاماً لم يتم تطبيقه بشكل سليم حتى الآن للحد من الغلاء وتحسين جودة الخدمات، وفيما عدا القوانين التي قدمناها في المجالس السابقة من أجل زيادة مساهمة القطاع الخاص في الإيرادات غير النفطية مثل قانوني الزكاة والتأمين والضمان الصحي للوافدين، وقانون صندوق دعم العمالة في القطاع الخاص، فإنه يلاحظ أنه لم يتم تقديم غير هذه القوانين من الجانب الحكومي أو البرلماني حتى الآن. كما استمر الروتين والتعقيد الحكومي نفسه، ولم يتم تحرير الأراضي لمختلف النشاطات الاقتصادية، وهو هدف أساسي من أجل الإصلاح الاقتصادي، فلم يتم استثمار أراضي الدولة لتقديم مختلف السلع والخدمات الخاصة، ولم تتم زيادة ملحوظة للكويتيين في الخاص، ولم تحقق الأراضي العوائد المطلوبة.
بالإضافة إلى ذلك فالغضب الشعبي يعود أيضاً إلى أن ما جاء في التصريح يخالف بنوداً دستورية وقانونية، فقد منع الدستور خصخصة الثروات الطبيعية في المادة 22، ومنها النفط والشواطئ، كما منع الدستور إنهاء القطاع العام بنصه في المادة 21 على التعاون العادل بين القطاعين العام والخاص. ويمتد غضب بعض المواطنين ليشمل قانون الخصخصة نفسه الصادر عام 2010 رغم أن هذا القانون هو الذي وضع حداً لأنماط الخصخصة السيئة التي كانت تتم قبل صدوره، كما نص هذا القانون على منع خصخصة قطاعات النفط والصحة والتعليم، وبالإضافة إلى ذلك فقد فرض هذا القانون شروطاً جيدة للخصخصة، أبرزها النص على ألا تقل نسبة المواطنين بعد خصخصة أي مشروع عام عن نسبتهم قبل الخصخصة مع زيادتها سنوياً، كما نص القانون نفسه على وضع ما يعرف بالسهم الذهبي في أي خصخصة لأي قطاع عام، وهو قدرة تصويتية للحكومة في مجلس الإدارة وفي الجمعية العمومية تمنح الحكومة حق الاعتراض على أي قرار يخالف المصلحة العامة للبلاد أو المواطنين، وقد رفض القطاع الخاص قانون الخصخصة بناءً على هذه المواد، ولذلك لم تتم خصخصة أي قطاع عام بعد صدور القانون حتى الآن، ويلاحظ المتابع وجود محاولات مشبوهة لتغيير القانون وإلغاء هذه المواد منه. والخلاصة أن للغضب الشعبي أسباباً علمية وقانونية لا شعبوية فقط، لذلك فإن أي خصخصة تتم بتجاهل هذه الأهداف المطلوبة والأسباب الواقعية ستأتي بنتائج خطيرة على الوطن والمواطنين وحتى على الحكومة والنظام الدستوري.