صورة من المشهد السياسي
التوقف عن الكتابة في الفترة الماضية سمح لي بالنظر بعين المتفرج والمستمع في مراجعة قراءتي لما آلت إليه الأوضاع، وعند أي محطة سيقف القطار في هذه الأجواء الضبابية. قضيتنا ليست مع أي طرف من أطراف النزاع أو من يمثلهم، لكن قضيتنا الأساسية مع الفهم لمبادئ الديموقراطية والمواطنة والدستور، وكيف يمكن إصلاحها مع بعثرة وتضارب المسارات السياسية التي لا تسمح بترتيب الأولويات على المنظور القريب، ففي انتخابات المجلس البلدي الأخير وبغض النظر عن كفاءة واستحقاق الفائزين كان المشهد مؤلما ومشوها للصورة الديموقراطية، بعد أن عكست النتائج المعنى الحقيقي للفئوية بغياب المنافسة في دائرتين، وشوهت في معظم الدوائر الانتخابية الأخرى. المواطنة هي الأخرى تئن من غياب الوعي المجتمعي بسبب حالة من الاستسلام للواقع والتوهان الذي يعيشه المواطن بتخليه عن حقه وتركه الحبل على الغارب، والتغني بالدستور صار من الأحلام والأماني، وإن من ينادي بتطبيقه واحترامه تجده أول شخص يخترقه، وهنا لا أستثني أحداً، فما يحدث يتم تحت مرأى ومسمع الحكومة والمجلس والمواطن الشركاء الثلاثة.
أحيانا كثيرة أتساءل كغيري: على من تقع مسؤولية التغيير والإصلاح ومن لديه الأدوات، ومن لديه القدرة على المبادرة وأخذ زمام الإصلاح، لأصاب بالخيبة من عدم مبادرة أي طرف لمبادرات الإصلاح التي يقدمها أهل الاختصاص على كل الصعد والمسارات؟ نعم، هذا ناهيك عن المواطن الذي يتكلم ويتذمر وينتقد كل شاردة وواردة، طبعا هذا التذمر لا يتجاوز منصات التواصل الاجتماعي أو الديوانيات والغرف المغلقة، وعند الجد تراه يتخذ وضع الصمت. لست هنا في صدد تقديم النصيحة، لكنني أبين خطورة وتداعيات الجمود السياسي والفرز الاجتماعي والطائفي والطبقي على مستقبل الكويت من خلال جرنا إلى الموضوعات ذاتها وتحت العناوين نفسها لمصالح ضيقة وأهداف يستفيد منها القلة القليلة التي تقدم مصالحها على مصلحة الوطن.رغم كل هذا الإحباط فإنني ما زلت أحتفظ ببعض الأمل وأحلم في مستقبل أفضل بسبب الحاجة الفطرية للبقاء، وبسبب التحديات التي فرضها الواقع الدولي وصراع الأقطاب والوضع الإقليمي المتغير، والذي يحتم علينا كمجتمع تدارك خطورته على الداخل من خلال تعزيز مفاهيم قيم الولاء. ملفات كثيرة تتطلب المواجهة الميدانية كإصلاح التعليم، وحل مشكلة الإسكان، وتدارك ارتفاع أسعار العقار، والتضخم، والأزمة المرورية، والتركيبة السكانية، وملف البدون، والتعدي على المال العام، والمحاصصة التي هدمت أركان العدالة الاجتماعية، وجنوح القطاع الخاص عن مساره، ودعم المبادرين من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة وغيرها من الملفات الأخرى المستحقة.لقد منّ الله علينا بالخير الكثير ومحبة صادقة تجمع بين الحاكم والمحكوم، تفسح المجال للإصلاح الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي.أختم هذا المقال مع انتخابات المجلس البلدي والمشهد الدامي الذي كشف عن واقع اجتماعي لم أكن لأتصوره بهذا القبح. حفظ الله الكويت وأهلها من كل مكروه، ودمتم سالمين.