أولا: تعيين وترقية أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية... المستوى الأكاديمي وتأثير قواعد التعيين والترقية في الجامعات:تعكس هيئات التدريس في الجامعات ارتقاء المستوى الفكري والثقافي لمجتمعها، بالإضافة إلى المستوى الأكاديمي في الدولة.
من هذا المنطلق، تهتم الدول بالجامعات إداريا وماليا حتى تظهر بأبهى مظهر ثقافي وأكاديمي، ثم ترتقي بمستوى الأجيال القادمة من الشباب لتحقيق مستويات أرقى بغاية المنافسة في التصنيف الدولي للجامعات.ومن جهة أخرى، فإن الارتقاء بالمستوى الأكاديمي حول العالم قد أصبح في يومنا هذا محفزا مهماً لجذب السيولة، فالجامعات أضحت نوعا من الاستثمار في المعرفة، حيث تتنافس على تعيين المدرسين المميزين بغرض جذب الطلاب وزيادة المدخول المادي.ترسخ هذا الواقع في المجتمعات الغربية، في الوقت الذي لا يزال النظر إلى التعليم الأكاديمي الحكومي في معظم الدول العربية -ومنها الكويت- على أساس أنه تعليم شبه مجاني أو بأجور رمزية لا تكاد تغطي تكاليف تشغيل الجامعات الحكومية الأمر الذي أثر سلبا على ميزانية الدول، وأصبح قطاع التعليم الأكاديمي عبئا على الميزانية، بدل أن يكون رافدا لها بالطاقات والخبرات.ومن هنا، كان لا بد على الدولة أن تسعى إلى تحقيق معايير عالمية في تعيين أعضاء هيئة التدريس بغرض جذب الحاصلين على درجة الدكتوراه في العلوم المتنوعة لتوفير فرص عمل على مستوى تحصيلهم من جهة، وتوفير مستوى تعليم راق يساهم في جذب الطلاب ويحقق للجامعة عائدات معقولة من جهة أخرى.ثانياً: قرار التعيين والرأي الاستشاري للأقسام العلمية:صدر قانون تنظيم التعليم العالي الكويتي رقم 29 في عام 1966، ومنذ ذلك الوقت أقرت العديد من التعديلات على اللائحة التنفيذية الخاصة به، كان آخرها عام 1989.وفي شأن قرار تعيين أعضاء هيئة التدريس، نص القانون 29/1966 على أن يصدر هذا القرار من وزير التربية بعد أخذ رأي مجلس الأقسام العلمية في الجامعة (م/19).ومن هنا كان لمجلس الأقسام العلمية (دور هام) في تحديد شواغر كل قسم على حدة وفق سياسات وأهداف كل جامعة (م/1 لائحة 1989)، ووفق الخطة الأكاديمية والميزانية المعتمدة لكل جامعة على حدة (م/2 نفس اللائحة). وبعدها، صدر القانون رقم 76 في عام 2019، الذي لم يذكر صراحة ضرورة أخذ رأي مجلس القسم قبل التعيين، بل نص على تحضير هذا المجلس لمقترحاته (م/20)، ثم رفعها إلى مجلس الكلية الذي يكون من تخصصاته الترشيح لوظيفة هيئة التدريس (م/18-4).وبناء عليه، فقد تم إغفال الرأي الاستشاري لأعضاء الأقسام العلمية، وهذا يمكن أن يؤثر سلبا في مستوى التعيين، ومدى رضا الهيئة التدريسية عن التعيينات الجديدة. ثالثاً: درجات التعيين... تغيير في المسميات وشروط الخبرة:• «مدرس» أصبح «أستاذ مساعد» ويشترط فيه أن يكون:
1- المؤهل العلمي
في قانون 29/1966 يجب على المرشح أن يكون حاصلا على درجة دكتوراه في فلسفة أو ما يعادلها من إحدى الجامعات، أو الهيئات العلمية العربية، أو الأجنبية (م/20)، وأن يمضي 4 سنوات على الأقل منذ حصوله على البكالوريوس أو الليسانس أو ما يعادلها (م/21).بينما عدل قانون 76/2019 معيار المؤهل العلمي، كالتالي:أصبح من الواجب على المرشح أن يمضي 4 سنوات في الدراسات العليا منذ حصوله على الليسانس أو البكالوريوس، كما أن شهادة الدكتوراه يجب أن تكون صادرة عن جامعة معترف بها من الجامعات الحكومية (م/22).2- حسن السوك
نص قانون 29/1966 على شرط حسن السيرة والسمعة (م/20-أ)، بينما حذف قانون 76/2019 هذا الشرط، وهكذا لم يعد هناك مجال للتحكم في صحة الترشيح بناء على حجة السيرة والسمعة.• «أستاذ مساعد» أصبح «أستاذ مشارك»:
اشترط قانون 29/1966 أن يمضي المرشح 9 سنوات على الأقل منذ حصوله على البكالوريوس أو الليسانس أو ما يعادلها، وأن يكون قد شغل وظيفة مدرس لمدة 4 سنوات على الأقل في التعليم العالي أو في معهد علمي من نفس الطبقة (م/22).فيما عدل قانون 76/2019 هذا الشرط لتصبح مدة الخبرة الأكاديمية 8 سنوات، منها 4 في الدراسات العليا، ومدة تدريس كأستاذ مساعد لا تقل عن 4 سنوات (م/23).• «أستاذ»:
أن يمضي 14 سنة على الأقل منذ حصوله على البكالوريوس أو الليسانس أو ما يعادلها، وأن يكون قد شغل وظيفة أستاذ مساعد لمدة 4 سنوات على الأقل في التعليم العالي أو في معهد علمي من نفس الطبقة (م/23).(عدل) قانون 76/2019 شرط الخبرة الأكاديمية، وجعلها 12 سنة منها 4 سنوات في الدراسات العليا، وخبرة تدريس 4 سنوات (م/24).وقد ألغى قانون 76/2019 إمكانية تعيين عضو هيئة التدريس من غير الحاصلين على شهادة الدكتوراه كما كان جائزا في قانون 29/1966 (م/24)، بينما سمح قانون 76/2019 بالتعيين دون الحصول على الدكتوراه في جهة مبتكرة جديدة أسماها «الهيئة الأكاديمية المساندة» (م/25).بالتالي، فإن قانون 2019 لم يلغ فكرة تعيين مدرسين من غير الحاصلين على درجة الدكتوراه، فعلى الرغم من أنه أخرج هؤلاء من الهيئة الأكاديمية الأساسية، إلا أنه أنشأ هيئة أكاديمية خاصة بهم.والمشكلة الأساسية في الحوكمة، هي أن الهيئة الأكاديمية الحاصلة على الدكتوراه قد ترتكز على الهيئة المساندة في أوقات ضغط العمل، وهذا ما قد ينخفض بمستوى التدريس الأكاديمي.كل هذا النقاش، في الوقت الذي يوجد فيه الكثير من الشباب الكويتي الحاصل على درجة الدكتوراه، والذي ينتظر فرصة توظيف، فهو الأحق بمراكز الهيئة المساندة. رابعاً: قواعد الفحص قبل التعيين... تركز الصلاحيات في مجلس الجامعة:بالإضافة إلى شروط التعيين المذكورة في القانون 29/1966، فقد أوجب هذا القانون أن يجتاز المرشح فحصا من مجلس القسم العلمي في الكلية (م/25 + م/4 لائحة 1989).فيما لم ينص القانون 76/2019 على مثل هذا الفحص، الأمر الذي يترك تنظيم تفاصيل الموضوع للجامعة وفق لوائحها الداخلية (م/27).ويمكن تصنيف هذا الموضوع ضمن التوجه التشريعي الظاهر من قانون 2019 في التقليل من تأثير مجالس الأقسام العلمية لاتخاذ قرارات التعيين، وترك الموضوع لمجالس الجامعات.فقد جاء في القانون 76/2019 أن من اختصاصات «مجلس الجامعة»: «تعيين أعضاء الهيئة الأكاديمية الأساسية والمساندة، وتعيين الأساتذة الزائرين والمكلفين بالأبحاث العلمية طبقا للوائح الجامعة» (م/11-10)، وكذلك الأمر بخصوص أعضاء الهيئة المتعاقدين (م/11-24).وهذا لا يعني أن الجامعات لها تقدير مطلق في إصدار القواعد بموجب لوائحها، حيث إن قانون 2019 منح لـ»مجلس الجامعات الحكومية» «وضع واعتماد القواعد والمعايير العامة لنظم الابتعاث والتعيين والترقية لأعضاء الهيئة الأكاديمية والهيئة الأكاديمية المساندة بالجامعة» (م/9-6).أما فيما يخص صلاحيات مجالس الكليات ومجالس الأقسام العلمية، فإن مجلس الجامعة هو الذي يحددها وفق قانون 2019 (م/11-15) وهذا ما يجعل سلطة التعيين العليا في الجامعة في يد مجلس الجامعة.حتى أن قانون 2019 منح الحق لمجلس الجامعة أن يقترح إنشاء أو إلغاء الأقسام العلمية (م/11-4) الأمر الذي يجعل مجالس الأقسام العلمية -صلاحياتها القليلة- تحت نفوذ واسع من مجلس الجامعة. خامساً: شروط التعيين الاستثنائية:أتاح قانون عام 1966 التعيين عبر قواعد استثنائية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات العربية أو الأجنبية عبر نظام «التعاقد» بقرار من وزير التربية (م/30)، أو الاستعانة بهم كأساتذة «زائرين» بقرار من ذات الوزير بناء على اقتراح مستشار التعليم العالي (م/31).بينما نص قانون 76/2019 على صلاحية مجلس الجامعة في تعيين أساتذة زائرين (م/10-10)؛ وبهذه الطريقة تم تخفيض مستوى اتخاذ القرار، حتى يكون للجامعة مرونة في تعيين الأساتذة الزائرين.