في رحلة بحرية اجتمع على متن سفينة تاجر أغنام اسمه دوندونو جلب شحنة كبيرة من الأغنام لبيعها مع رجل مسافر معه يقال له بانورج، وكان دوندونو هذا رجلا جشعا سيئ الأخلاق، لسانه ينقط سموما مخلوطة بالعسل البلاغي، فتشاجر يوما مع بانورج أثناء الرحلة، وأساء له إساءة كبيرة جداً، فأسرها بانورج في نفسه عندما أحس بطعم الإهانة، وهي تطبخ على كبده، وصمم على الانتقام، وبعد مدة عندما هدأت الأمور ونسي دوندونو الحادثة وانشغل بقطيعه ذهب له بانورج وتودد له ثم طلب منه شراء خروف معين بسعر عال جداً، وكان هذا الخروف هو الأكبر، وقائداً للقطيع وفق تراتبية النظام الإداري الخاص بمنظومة الخرفان الدولية، فابتهج دوندونو عندما لامس السعر وتر جشعه وهزه، فتحركت عصا أوركسترا الطمع بين أضلاعه وعزفت لحن الدراهم والدنانير.ولكن فرحة دوندونو لم تكتمل طويلا حينما شاهد خصمه القديم وعميله الجديد بانورج يجر الخروف من قرنيه بقوة إلى طرف السفينة ليلقيه في لجة الموج ليغرق، وقبل أن يفيق دوندونو من سبات دهشته ودون مقدمات تبع قطيع الخراف تباعاً خلف زعيمه ورمزه نحو حافة السفينة لتقفز بدورها كل الخراف وتغرق واحدا تلو الآخر، وسط صدمة ودهشة دوندونو الذي حاول جاهدا أن يمنع رتم انتحار قطيعه، ولكن جهوده ذهبت أدراج الرياح ليمسك بيأس آخر الخرفان من قرنيه ليمنعه، لكن الخروف كان عنيداً وقوياً وجر دوندونو معه نحو الأمواج ليغرقا معا.
هذه القصة للكاتب الفرنسي فرانسوا رابلي أسست مصطلح خرفان بانورج في اللغة الفرنسية ليكون تعريفا لانسياق الجماعة بلا وعي ولا إرادة ولا تفكير وراء فكرة أو رمز لدرجة الفناء أو الضياع، وهي تعطي أيضا تعريفا للجماعة السياسية التي تتبع حتى الغرق الزؤام خطى أيديولوجيتها وزعمائها ورموزها فتقع في مكايد السياسة الماكرة بسهولة، خرفان سياسة يتلاعب بها ألف بانورج ليغيظ آلاف دوندومو فتجري وراء الرمز والزعيم حتى لو أدى ذلك إلى نتائج كارثية أو عبث يدور ويدور في دوائر انتخابات ومنابر وتصريحات عنترية، وطموحات لن تخرج يوما إلى فضاء النتائج الفسيح. نعم يا سادة فن السياسة قد يكون فنّ الممكن أو فنّ التمكين، وأحيانا فنّ الإدارة، لكنه أيضا قد يكون فنّ الخرفنة البانورجية أعاذنا الله وإياكم منه ومن طمع دوندونو ومكر بانورج ووفاء خرفان صاحت بدون عقل ماء ماء ماء، لتتبع كبشها القافز الراحل المأسوف على شباب مأمأته الثورية.
مقالات
فن الخرفنة
25-05-2022