في ظلال الدستور: الاستجواب ملحمة الديموقراطية في الكويت ومحنتها (1-3)
المساءلة الفردية للوزراء اختار دستور الكويت المساءلة الفردية للوزراء من خلال طرح الثقة بالوزير طبقا للمادة (101) من الدستور، ولا يتم طرح الثقة بالوزير إلا إثر مناقشة استجواب يوجه إليه.والاستجواب، وفقا للمفهوم الدستوري له، هو اتهام للوزير مع مجابهته بالأدلة التي تدينه، وسماع أوجه دفاعه ومناقشته فيها مناقشة تفصيلية كي يفندها إن كان منكراً لهذا الاتهام أو يعترف بها أو شاء الاعتراف، ومعنى ذلك أن على النواب المستجوبين أن تكون بين أيديهم كل خيوط القضايا موضوع الاستجواب، وأن يلموا بكافة أبعادها، وأن يطرحوا في استجوابهم التهم المرتكز على أساسها متين الوقائع ورصين القانون، فأساس المساءلة السياسية وطرح الثقة بالوزير في دستور الكويت هو أساسٌ يختلف تماماً عن الأساس الذي يبنى عليه طرح الثقة في النظم البرلمانية التي تجعل من طرح الثقة وسيلة لتغيير الحكومة ولتداول السلطة بين الأحزاب السياسية.
استقرار الحكمفقد كان الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره حسبما جاء في استهلال المذكرة التفسيرية للدستور- الأصل الجوهري- في بناء الدولة في المجلس التأسيسي ليكون بمثابة العمود الفقري للدستور، في النظام الديموقراطي الذي تبناه الرعيل الأول طريقاً وسطا بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما، حتى لا يفقد الحكم طابعه الشعبي في الرقابة البرلمانية، دون أن تحجب الفضائل البرلمانية عن نظرهم ميزة الاستقرار التي يعتز بها النظام الرئاسي، مع تعديل أساسي فيه هو ممارسة الأمير لسلطاته الدستورية بواسطة وزرائه، وحلول المراسيم محل الأوامر الأميرية، فيما عدا ثلاثة استثناءات نص عليها الدستور على سبيل الحصر في المواد (4) و(56) و(61).وقد تلاقت المعاني السابقة عند نصوص دستورية وضعها الرعيل الأول لبناء الدولة هي: 1 - ألا يتولى رئيس مجلس الوزراء أي وزارة (مادة 102)، وأن تقتصر مهامه على رئاسة جلسات مجلس الوزراء والإشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة.2 - قصر مهام مجلس الوزراء على رسم السياسة العامة للحكومة، ومتابعة تنفيذها، والإشراف على سير العمل في الإدارات الحكومية (مادة 123). 3 - أن يتولى كل وزير الإشراف على شؤون وزارته، ويقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها، كما يرسم اتجاهات الوزارة ويشرف على تنفيذها (مادة 130).لا لحجب الثقة أو سحبها إلا أن الرعيل الأول، بما كانوا يتحلون به من حكمة وحصافة وكياسة، قد وصلوا إلى حل لمعضلة التوفيق بين أمرين أساسيين: الأمر الأول، الحفاظ على الطابع الشعبي للحكم في الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة بإجازة توجيه الاستجواب، وهو أخطر أدوات هذه الرقابة، إلى رئيس مجلس الوزراء.الأمر الثاني: ألا يترتب على استجواب رئيس مجلس الوزراء ما يرتبه الدستور على استجواب الوزراء من حجب أو سحب ثقة لسموه، خاصة مع ما كان معلوماً من أن ولي العهد قد يكون رئيسا لمجلس الوزراء، وهو أمير البلاد القادم، فاختاروا لحل هذه المعضلة أن يجيز الدستور لمجلس الأمة، بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس عدا الوزراء، إصدار قرار بعدم إمكان التعاون مع رئيس الوزراء، دون أن يترتب على هذا القرار استقالة حتمية لسموه، فابتدع الدستور لحل الخلاف بين المجلس والحكومة حيث يترتب على استقالة رئيس مجلس الوزراء أو إعفائه من منصبه استقالة سائر الوزراء أو إعفاؤهم من مناصبهم (مادة 129)، تحكيم صاحب السمو أمير البلاد، إن شاء صاحب السمو الأخذ برأي المجلس وإعفاء الوزارة ، وإن شاء احتفظ بالوزارة وحل المجلس، وقد اختار صاحب السمو إثر الاستجواب الأخير الموجه إلى سمو رئيس الوزراء قبول استقالته.ولا أملك، وقلبي ينبض بحب الكويت إلا أن أدعو الله أن يتمم نعمة الديموقراطية على هذه الأرض الطيبة لتظل أيقونة الديموقراطية في الوطن العربي.وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.