حساب «إبراء الذمة» لرد المال العام
في سنوات الوظيفة الحكومية الممتدة في حياة المواطن التي تتخطى 30 و35 عاماً تقع منه أحيانا مخالفات لأنظمة العمل تستوجب الخصم من مرتبه الشهري، لا يرصدها النظام الوظيفي ولا يحاسب عليها هذا الموظف لأسباب مختلفة، كتعمد البعض التحايل على دوامه في نظام البصمة بالمغادرة بعدها لساعات طويلة، ثم العودة للبصمة آخر الدوام، وإما بأخذ الإجازات الطبية الوهمية، أو بادعاء الخروج لمهمات عمل غير حقيقية، أو بصرف بدلات غير مستحقة ومكافآت عن لجان لم يشاركوا فيها أصلاً، أو مبالغ لأعمال إضافية لم يمارسوها، وهكذا ممارسات غير نزيهة لا يستحق عنها الموظف راتبه الكامل الذي يتقاضاه.في حالات أخرى الوضع أشد سوءاً وخزياً، إذ يخون الموظف أحياناً أمانته فتمتد يده عمداً لأموال الدولة التي تحت يديه بحكم وظيفته ومسؤولياته إما بالسرقة أو بالاختلاس أو بتسهيل الاستيلاء عليها، أو بصرفها لمصالحه، أو بالتنفع من مناقصاتها، وهكذا تضعف نفوس البعض من كبار الموظفين قبل صغارهم بالتطاول على المال العام في غفلة من حياتهم إلا من رحم الله.بعض أولئك الموظفين أثناء وظيفتهم أو بعد تقاعدهم يتذكرون ما امتدت له أيديهم من هذا "المال القذر" الذي لم يحاسبهم عليه أحد، ثم يأملون التطهر منه والتوبة وإعادة ما أخذوه بغير وجه حق، ولكن لا يجدون السبيل الأمثل لفعل ذلك حسب أنظمة الدولة، فيجتهدون بالصدقة والتبرع في أوجه العطاء المختلفة.
في بعض الدول ومنها المملكة العربية السعودية يوجد حساب للدولة يطلق عليه "حساب إبراء الذمة" مخصص لمثل هذه الحالات، حيث يمكن لأي شخص إيداع الأموال التي يرغب بها في هذا الحساب مقابل ما يراه تقصيراً أو تطاولاً على المال العام أو حتى هبة وتبرعاً، يحمي هذا الحساب بيانات المودعين وخصوصيتهم بسرية كاملة، فلا تطلب هوياتهم ولا أسماؤهم ولا حضورهم، ولا سبب إيداعهم ولا تراجع معلوماتهم، وكل ما عليهم فقط تحويل المبالغ التي يظنون أنها دينٌ في رقبتهم للدولة، وأخذت بغير وجه حق لهذا الحساب، وحقق الحساب ارتفاعاً واضحاً في رصيده ليتم صرف هذه المبالغ في مسارات محددة كمساعدات للأسر المحتاجة والمعسرين وخلافه. لقد وقعت على هذا الأمر من خلال تغريدة موفقة للدكتور الفاضل مطلق الجاسر دونها في حسابه الشخصي في "تويتر"، كما تقدم بعض النواب باقتراحات مشابهة، وإن مثل هذا المشروع من شأنه إتاحة الفرصة لمن أساء في حياته الوظيفية أن يتدارك وضعه، ويتخلص من همه، وتبقى توبته وصدق إنابته بينه وبين ربه، ونأمل من معالي وزير المالية و"هيئة نزاهة "والفتوى والتشريع النظر في دراسة هذه الفكرة وتنظيمها لمصلحة الناس والدولة. والله الموفق.