على وزن كتاب لويس كارول (أليس في بلاد العجائب) حيث تتفاجأ بطلة الرواية بالمغارات والمخلوقات الغريبة والممالك العجيبة والسحر والجمال، بطلة قصتنا اليوم هي أيضا (أليس) لكن في موقع آخر وفي واقعنا المأزوم الذي نعيشه، كنت قد تطرقت منذ فترة في مقال سابق لي في جريدة "الجريدة" لموقف أستاذة الأمن السيبراني والمعلوماتية د. صفاء زمان، إزاء حفظ أمن بلادنا الكويت وحرصها على ذلك، ولله الحمد والمنة فإننا ننعم في الكويت بقضاء مستقل ونزيه كان قد أنصفها بحكم براءة من أول درجة بعيد نشر مقالي كذلك، ولكن المفاجأة كانت حين نمى إلى علمي أن د. صفاء تعرضت إلى عدد من المضايقات بسبب مواقفها الأخيرة، وعليه كانت شكواها المقدمة الى وزارة الشؤون مؤخراً والتي استعلمت شخصيا عنها و(بحبشت) هنا وهناك لأتعرف على حيثياتها. ملخص الحادثة، وفحوى الشكوى، أنه قد تم استبعاد مشاركة د. صفاء في مسابقة تكريم الشخصيات والمشاريع الرائدة في دول مجلس التعاون في مجال العمل المجتمعي والأهلي، وتحديداً تم استبعاد مشاركتها باسمها ومشاركة الجمعية الكويتية لأمن المعلومات كذلك، وكان الاستبعاد مسبباً أن د. صفاء متهمة بقضية أمن دولة وعليه لن تشارك، وإذا لم تعجبها هذه الحال أو لديها اعتراض على الإفادة من المعنيين فلها مطلق الحرية أن "تبلط البحر" دون اكتراث ولا أي اهتمام لما قد ينجم عن هذا القرار من تبعات على مستوى المسابقة أو حتى سمعة البلد.
بالمناسبة وجب التوضيح بعد هذه (الفرشة) في البداية بأن د. صفاء حاصلة على عدد من الأوسمة والتكريمات وليست بحاجة الى إنجاز ليبرز اسمها إعلاميا، ولكي يطمئن القارئ العزيز أكثر ويطلع على حيثيات قضيتها الأولى فيمكنه الرجوع إلى مقالي الذي أشرت إليه أعلاه في "الجريدة" (كلنا صفاء زمان) بتاريخ (23 ديسمبر 2021)، ليعرف كيف بدأت حكايتها، لكن ما تعرضت له اليوم د. صفاء يستدرك عددا من النقاط الرئيسة في ذهن المرء وجب التطرق إليها إحقاقا للحق: أولاً: إننا ننزه المعنيين في اللجنة أن يكون سبب الاستبعاد أي شيء إلا أنه خطأ إجرائي أو فهم ناقص لحيثيات المسألة، ففي النهاية كل من تقدم وتنطبق عليه شروط المسابقة، هو بطبيعة الحال مؤهل لخوض إجراءات التقييم، أليس كذلك؟! وهذا يدخلنا في الباب الأول من استعراض التفصيل ها هنا حيث كان من المفترض أن يتسابق كل شخص تنطبق عليه الشروط كائناً من كان، سواء كان متهماً أو حتى مداناً، فما بالك من صدر بحقه حكم درجة أولى بالبراءة في قضية لم يكف الحديث عنها الى الآن؟! هذا على اعتبار أصلاً أن الاتهام بقضية أمن دولة مسألة تستوجب الإقصاء من الترشح للمسابقة والفوز بها!! وهذا يجرنا الى المدخل الثاني وهو تشابك مهنية العمل وأخلاقياته مع واقع الحال والمسألة المعروضة هنا. أي شخص معرض أن يرتكب أخطاء أو أن تصدر بحقه أحكام وخلافه، لكن لا يحق لأي كائن من كان أن يتصرف معه بحكم مسبق وأن يتهمه أو يستبعده من أي شيء، ففي النهاية هناك جهات قضائية مستقلة تقوم بهذا الدور، وليس لأحد آخر أن يتقمص دورها البتة، وهنا أحب أن أشير إلى أنه حتى المساجين ومن داخل زنازينهم لهم حقوق لا تمتهن ولهم مطلق الحرية أن يمارسوا عددا من الأنشطة لا سيما المساهمة في البحث العلمي وتحليل نتائجه، فأستذكر ورقة علمية شيقة قرأتها مؤخراً لأستاذ جامعي وباحث علمي نشرت وهو في أغلاله، كما أستذكر هنا الكولونيل الأميركي (ساندرز) الذي طور خلطته السرية لتتبيل الدجاج من داخل زنزانته أيضا. نتفنن في هذه البقعة من الكوكب في تكسير "المجاديف" ولكن الجميل دائما أن هذه البقعة من المعمورة أيضا ولادة لأناس صلبين ومدافعين شرسين عن حقوقهم وحقوق الآخرين، ففي النهاية أنصح من موقعي هذا كل قيادي ومسؤول بهذه الكلمات: شدوا وناصروا المجتهدين فوالله لن ينفع البلاد إلا هم، ولا تقتلوا أسودكم فتأكلكم كلاب أعدائكم. على الهامش: إياكم أن تخدعوا ومن ثم تصدقوا بأن الزيادة السكانية والاستهلاك المفرط للطاقة وراء دمار البيئة والكوكب الأزرق فحسب، وهكذا بالمطلق دون تحليل وتمحيص، فحقيقة الأمر أن استغلال البرجوازيات الكبرى من خلال الصناعات الثقيلة للبيئة (بعلاقة طردية واضحة بالأرباح مع زيادة فائض القيمة من أجور العمال وساعات عملهم) هو العامل الرئيس هنا، بدليل النظر الى الأرقام التي لا تكذب أبدا، ففي جمهورية الصين، يبلغ عدد السكان قرابة 1.4 مليار وانبعاث الكربون للفرد يقارب 8.2 أطنان، أما سكان ألمانيا فهم 83 مليونا تقريبا وانبعاث الكربون للفرد يقارب 8.5 أطنان، وأخيرا فإن سكان الولايات المتحدة هو 329 مليونا تقريبا وانبعاث الكربون للفرد يقارب 15.2 طناً، وعليه وجب معرفة أن انبعاثات الكربون مرتبطة بشكل تام بالنظام الاقتصادي للبلد كما هو مع عوامل أخرى.
مقالات
صفاء في بلاد العجائب!!
26-05-2022