«شمال الراين وستفاليا» هي أكبر ولاية في ألمانيا، وقد يكون حجمها قريباً من هولندا، فلطالما كانت هذه المنطقة معقلاً تقليدياً للحزب الاشتراكي الديموقراطي في عهد هلموت كول، لكنها أصبحت محسوبة على «الاتحاد الديموقراطي المسيحي» في عام 2005، ولو أحرز «الحزب الاشتراكي الديموقراطي» التقدم المطلوب وأصبح الأكثر شعبية في السياسة الألمانية، كما حصل خلال انتخابات السنة الماضية، لكانت ولاية مثل «شمال الراين وستفاليا» ستُجدّد دعمها للحزب على الأرجح.لكن الانتخابات الفدرالية الألمانية تكشف منذ أيام أن «الحزب الاشتراكي الديموقراطي»، الذي ينتمي إليه المستشار الألماني أولاف شولتس، حقق أسوأ نتيجة على الإطلاق في «وستفاليا»، فحصد أقل من 27% من أصوات الناخبين، وفي المقابل، فاز «الاتحاد الديموقراطي المسيحي» بـ35.5% من الأصوات ومن المتوقع أن يشكّل ائتلافاً مع «حزب الخضر»، وقد تكبّد «الحزب الديموقراطي الحر» خسارة كبرى أيضاً، فتراجعت نسبته من 7% إلى أكثر من 5% بقليل، ويضمّ هذا الحزب ليبراليين من داعمي السوق الحر، وهو يشكّل الفرع الثالث من ائتلاف شولتس الوطني، وفي الوقت نفسه، يبدو أن ائتلاف «إشارة المرور» في برلين لا يعمل إلا لصالح «حزب الخضر» ورئيسَيه المشتركَين روبرت هابيك وأنالينا باربوك، وقد يُحدد هذا الشكل من انعدام التوازن مستقبل السياسة في ألمانيا.
تثبت هذه النتيجة أن تراجع الدعم للحزب الاشتراكي الديموقراطي مستمر، إذ لم يشارك إلا سبعة ملايين من أصل 13 مليون ناخب في هذا الاستحقاق، مما يعني أن مستوى الامتناع عن المشاركة بلغ درجة غير مسبوقة (45%)، ومن الأفضل إذاً أن نعتبر نتيجة الانتخابات التي أوصلت شولتس إلى السلطة في السنة الماضية مجرّد ضربة حظ، فقد يتراجع دعم «الحزب الاشتراكي الديموقراطي» على المستوى الوطني لدرجة أن يصبح أقل من نسبة تأييد «حزب الخضر»، حيث توقّع الكثيرون هذه النتيجة في بداية الحملة الانتخابية السنة الماضية.أصبح أولاف شولتس مستشار ألمانيا لأن وسائل الإعلام انشغلت بتدمير خصمَيه الأساسيَين ولم تحصل على الوقت الكافي لاستهدافه قبيل الانتخابات، لذا قرر الألمان في نهاية المطاف التصويت لآخر مرشّح يستطيعون تقبّله، لكن جاءت الحرب في أوكرانيا لتثبت حقيقة يشتبه فيها الكثيرون منذ فترة: يفتقر شولتس إلى حس القيادة.لكن رغم جميع المؤشرات التي تحملها الانتخابات الألمانية المحلية، يبدو أن ائتلاف شولتس سيصمد حتى النهاية، ففي المقام الأول، لن يحصل أي تغيير في الحكومة طالما تستمر الحرب في أوكرانيا، مثلما تمتنع بريطانيا عن التخلص من بوريس جونسون للسبب نفسه، لكن من المتوقع أن يحقق «حزب الخضر» المكاسب في انتخابات عام 2024 بما يفوق أي منافع محتملة نتيجة تغيير السلطة في منتصف هذا العهد، وبحلول الانتخابات المقبلة، قد يتفوق نائب مستشار «حزب الخضر»، روبرت هابيك، على شولتس، وقد أثبتت الانتخابات في ولاية «شمال الراين وستفاليا» أن هذا السيناريو واقعي جداً.في «دوسلدورف»، عاصمة «وستفاليا»، قد لا يتفوق «حزب الخضر» لكنه سيكون صانع الملوك، وقد يحصد الائتلاف الذي يجمع بين «الاتحاد الديموقراطي المسيحي» و»حزب الخضر» أغلبية كبيرة. نظرياً، تملك الأحزاب الثلاثة في ائتلاف «إشارة المرور» (الحزب الاشتراكي الديموقراطي، وحزب الخضر، والحزب الديموقراطي الحر) الأغلبية في برلين، وقد يكون هذا الخيار الأفضل بالنسبة إلى «الحزب الديموقراطي الحر»، فيقدّم هذا الأخير عرضاً يصعب أن يرفضه «حزب الخضر»، لكن سيكون إصرار «الحزب الديموقراطي الحر» على تكرار نموذج ائتلاف «إشارة المرور» انتحارياً، إذ من الواضح أنه لم ينفعه في برلين.تسلم رئيس «الحزب الديموقراطي الحر»، كريستيان ليندنر، وزارة المال بعد المحادثات التي خاضها الائتلاف في السنة الماضية، واعتُبِر هذا المنصب انتصاراً كبيراً، لكن معالم السياسة الألمانية تغيّرت فعلياً بعد تسلم «حزب الخضر» وزارتَي الاقتصاد والخارجية، فجاءت الانتخابات الأخيرة لتغيّر ميزان القوى داخل الائتلاف مجدداً وترجح كفة «حزب الخضر»، ولم يجد «الحزب الديموقراطي الحر» والحزب الاشتراكي الديموقراطي» حتى الآن أي بدائل مقبولة. باختصار، تبدو السياسة الألمانية اليوم أشبه بحطام قطار بطيء الحركة.* فولفغانغ مونشاو
مقالات
انتخابات وستفاليا دليل تعثّر أولاف شولتس
26-05-2022