منذ بداية الحرب في أوكرانيا، أثبت العالم الديموقراطي تضامناً لافتاً في مقاطعته الاقتصادية لروسيا، لكن تبقى العقوبات أداة شائكة كونها تستهدف النظام لكنها تؤذي الشعب في نهاية المطاف، فوقع الروس العاديون ضحية فساد فلاديمير بوتين وسوء حُكمه، لذا من الأفضل استهداف الكرملين والمقرّبين منه.يمكن تحقيق هذا الهدف عبر فرض عقوبات مستهدفة على أفراد محددين، فقد سبق أن استهدفت العقوبات 1086 شخصاً، فتجمدت أصولهم ومُنِعوا من السفر، لكنّ مطاردة الأثرياء والأقوياء تشكّل اختباراً شائكاً للديموقراطيات، لا سيما إذا كانت هذه الشخصيات معتادة على تقديم هبات سخية إلى الأحزاب السياسية أو تربطها علاقات وثيقة مع السياسيين، فقد يكون غيرهارد شرويدر المقرّب من بوتين أفضل نموذج لتقييم فاعلية العقوبات.
أصبح شرويدر محسوباً على الكرملين منذ تنحيه من منصب المستشار الألماني في 200، وسرعان ما تسلم مناصب عدة في شركات نفط مقرّبة من بوتين، فأصبح رجل موسكو في ألمانيا، حتى أن امتناعه عن الاستقالة من هذه الشركات أو رفض ترشيحه لعضوية مجلس الإشراف في شركة «غازبروم» غداة الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي دفع الكثيرين إلى اعتباره متورطاً في عدوان بوتين، فما مدى جدّية الغرب إذاً في فرض العقوبات المستهدفة؟يطالب الألمان باتخاذ الإجراءات اللازمة بحق شرويدر، ويعتبره حزب «الاتحاد الديموقراطي المسيحي» «شريكاً في تمويل الحرب الوحشية في أوكرانيا»، هم يطالبون بتجميد أصوله ومنعه من السفر أيضاً، وتتّهمه ولاية «هانوفر» بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وصوّت البرلمان الأوروبي على قرار يدعو الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ هذه الخطوة، لكن يحتاج هذا النوع من القرارات إلى إجماع بين الدول الأعضاء ويعارض المستشار الألماني، أولاف شولتس، هذا القرار.أوضح شرويدر، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» الشهر الماضي، أن زيادة واردات الغاز الروسي إلى ألمانيا خطوة منطقية برأيه لأنها تفيد البلدَين معاً، كان الغاز الروسي قد ساعد ألمانيا في التحول إلى قوة صناعية بارزة.،وعندما بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت شركات الطاقة الألمانية تشتري الغاز بـ200 مليون دولار يومياً، وفي الوقت نفسه اعتبر شرويدر التجارة أفضل طريقة لتجديد الاستقرار في روسيا ومنعها من العودة إلى الشيوعية التي بدت خياراً واقعياً في منتصف التسعينيات.لم يكن شرويدر المسؤول الوحيد الذي يعتبر التجارة أفضل أداة لإرساء الاستقرار السياسي مع خصوم الماضي، فقد عمد ديفيد كاميرون وجورج أوسبورن أيضاً إلى تطوير علاقات اقتصادية مع الصين مع أنها ليست ديموقراطية ليبرالية، على اعتبار أن الرأسمالية الليبرالية التي تظهر على شكل تبادلات تجارية وصفقات عمل قد تدفع البلد في الاتجاه الصحيح، فمن وجهة نظر شرويدر، كان الاتفاق الألماني الذي يقضي باستيراد المزيد من الغاز الروسي أحدث نسخة من «سياسة الشرق الجديدة» التي شكّلت برأيه ركيزة لإعادة توحيد ألمانيا.اليوم، يسهل انتقاد سياسة الاتكال المفرط على الغاز الروسي، ويشارك عدد كبير من السياسيين الغربيين في هذه الحملة، لكن من المبرر أن يدعو البعض إلى وضع اسم شرويدر على قائمة العقوبات البريطانية، فهو رفض بكل وضوح أن يقطع علاقاته مع نظام بوتين رغم إقدام القوات الروسية على استهداف المدنيين في أوكرانيا، وهو يتكلم وكأن أحداً لا يمكنه المساس به، حتى أن فريقه كله استقال حديثاً قبيل تجريده من امتيازاته البرلمانية احتجاجاً على هذا القرار.شرويدر ليس مجرّد زعيم سياسي أقنعته الظروف بضرورة عقد صفقة مع الشيطان، بل إنه قرر طوعاً أن يحافظ على صداقته الشخصية مع الدكتاتور الروسي الخبيث، وأن يتابع تلقي أمواله رغم إقدامه على غزو بلدٍ مجاور بلا مبرر، فهو مستعد للتنازل عن قِيَمه بقدر أعوان بوتين الروس، وإذا كانت بريطانيا مستعدة للتحرك ضد المقربين من الرئيس الروسي، فلا شيء يبرر إعفاء شرويدر من هذه العقوبات.
مقالات
غيرهارد شرويدر يستحق العقوبات
26-05-2022