غلاء عالمي... والمعالجات الكويتية ضد المنطق
• الدولة تناقض توجهات البنك المركزي بضخها في السوق سيولة مطلوب سحبها!
• تفاقم مؤشرات التضخم ضريبة معتادة لسياسات الخصخصة... فكيف نسوقها حالياً؟
في دولة كالكويت لا يمكن مناقشة قضية بمستوى ارتفاع أسعار المستهلكين (التضخم) دون ربطها بما تمثله من مخاطر على الأمن الغذائي في المجتمع، فضلاً عن الآثار الاستهلاكية والمعيشية التي يمكن ان تستمر سنوات طويلة.فالاعتراف بأن ارتفاع الأسعار أو غلاءها أمر عالمي لا دخل للدولة أو الموردين فيه لا يعني عدم اتخاذ إجراءات جدية في مواجهته، خصوصا ان معظم الارتفاعات التي نواجهها في الأشهر القليلة الماضية تعد غير مسبوقة في تاريخ التجارة الدولية، اذ ارتفع مؤشر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لأسعار الغذاء بنحو 66.6 في المئة في ابريل الماضي مقارنة بنهاية 2019، أي مع بدايات تفشي جائحة "كورونا" مدعوما بارتفاع أسعار اللحوم 22 في المئة، ومنتجات الألبان 43 في المئة، والحبوب بمختلف أنواعها كالقمح والذرة وغيرها 75 في المئة، والزيوت والدهون 185 في المئة، والسكر 54 في المئة، إلى جانب تضاعف تكاليف مختلف الأنشطة اللوجستية ذات العلاقة بشبكة امدادات الغذاء ومختلف السلع الاستهلاكية الأخرى في العالم كالشحن والتخزين والتأمين بـ 4 إلى 7 أضعاف أمثالها، مقارنة بنهاية عام 2019، لاسيما مع تعقد حركة التجارة الدولية بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
آثار محلية
محلياً, ارتفع مؤشر التضخم حسب آخر إفصاح للإدارة العامة للإحصاء عن شهر مارس الماضي 4.36 في المئة على اساس سنوي مدعوما بنمو سلة الأغذية والمشروبات 7.18 في المئة، وسلة الملابس 6.13 في المئة، مما يشير إلى مستويات جديدة من الغلاء وارتفاع الأسعار في الكويت بشكل يمس شريحة كبيرة من الطبقة المتوسطة، مما يتطلب اتخاذ اجراءات جادة من شأنها الحد من التضخم وتطويق آثاره السلبية على الاقتصاد والمستهلكين والسوق.ومع ان الواقع يتطلب قدرا عاليا من المهنية والجدية في المعالجة فإن أغلبية السياسات والتوجهات الاقتصادية المتخذة من الدولة باستثناء - رفع بنك الكويت المركزي لسعر الفائدة مرتين بواقع نصف نقطة مئوية اتساقا مع سياسات المجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي - تسير في اتجاه تعظيم مؤشرات التضخم في البلاد وتحميل المستهلكين أعباء إضافية في وقت حرج , فتوجهات مثل صرف منحة للمتقاعدين بواقع 3000 دينار أو السماح لموظفي الدولة باستبدال اجازاتهم نقدا - بغض النظر عن الرأي في استحقاقهما - ستعني زيادة نسبة السيولة المخصصة للاستهلاك في السوق وبالتالي ارتفاع الأسعار تلقائيا.الدولة و«المركزي»
وبينما تراهن البنوك المركزية في العالم على تفعيل ادوات السياسة النقدية والمالية من خلال سحب السيولة من السوق عن طريق رفع الفائدة في البنوك او استخدام برامج شراء الأصول او من نسبة الاحتياطي الإلزامي لدى المصارف نجد التوجهات الحكومية المحلية بضخ السيولة في السوق عبر "التأمينات والإجازات" تخالف حتى توجهات بنك الكويت المركزي الذي رفع الفائدة مرتين هذا العام ويتوقع ان يرفع المزيد منها خلال الأشهر المقبلة بهدف الحد من التضخم... فهذه المخالفة لا تناقض فقط سياسات البنك المركزي بل حتى المنطق.جدوى الخصخصة
وإذا كانت سياسة الدولة في ضخ السيولة المباشرة في السوق ستفضي الى مزيد من التضخم على مدى متوسط فإن تنفيذ ما ورد في تصريحات وزير التجارة والصناعة الأسبوع الماضي حول أن "كل شيء في الكويت متاح للخصخصة، وينبغي حصر دور الحكومة في التنظيم فقط، لتكون كل الأمور بيد القطاع الخاص" سيعني - بغض النظر عن مناقشة الرأي في الخصخصة كخيار اقتصادي - تحولاً في النظام الاقتصادي للبلاد غالبا ما تكون آثاره التضخمية كما حدث في العديد من الدول كاليونان ومصر وسيريلانكا وروسيا.... حادة وطويلة المدى.بدائل محدودة
ولعله من المفيد القول بأن ثمة صعوبة في اتخاذ قرارات سريعة وقصيرة الأمد في مواجهة ارتفاع مؤشر التضخم المرتبط بشكل وثيق مع تهديدات تمس الأمن الغذائي العالمي وانعكاساته المحلية , فباستثناء رفع سعر الفائدة تكون الإجراءات الأخرى المجدية في مواجهة التضخم كتوطين الصناعات او الحد من الاحتكار أو تسهيل الاحتياجات اللوجستية أو إعادة هيكلة سلة الدعومات والتأمين على الأغلب ذات نتائج متوسطة الى طويلة المدى اذا كانت هناك جدية في التطبيق... وهذا يعني ان المستهلكين سيكونون تحت ضغط متزايد في الفترات المقبلة مادامت مؤشرات التضخم متصاعدة والبدائل في مواجهتها محدودة.جدية اللجنة
وربما تكون الجدية الحكومية في مواجهة التضخم ومخاطر الأمن الغذائي اصلا محل شك، فتشكيل مجلس الوزراء لـ"لجنة تعزيز منظومة الأمن الغذائي" أمر يعيد إلى الأذهان مئات اللجان الحكومية التي لم تستطع معالجة أي مشكلة بسيطة خلال السنوات السابقة , ومع ذلك كي لا يسود الشعور بالتشاؤم قبل بدء عملها فعليها، على الأقل، ان تضمن عدم مخالفة سياسات الدولة في مواجهة التضخم للمنطق الذي يعبر عنه بنك الكويت المركزي في سياساته بسحب السيولة من السوق عبر رفع الفائدة، فضلاً عن معرفة اسباب عدم نشر الإدارة المركزية للإحصاء، بصفتها المتعهد لتوفير البيانات لمتخذ القرار، أي إحصاء جديد لـ"مسح الدخل والإنفاق العائلي" منذ عام 2013، وأن تعمل الحكومة بشكل واضح ومباشر في مسألة معالجة الخلل في توزيع حيازات الإنتاج الزراعي والحيواني الممنوحة لشراء ولاءات سياسية او منافع اقتصادية او مصالح لا علاقة لها باحتياجات الأمن الغذائي الذي استهدفت الدولة تحقيقه من هذه الأراضي مع التأكيد على ان اتخاذ مثل هذه الإجراءات، بالتوازي مع نظيرتها المذكورة اعلاه بحيث تتحقق اهدافها على مدى اطول، سيكون بمثابة عملية اصلاح لتخريب متعمد ساد في السنوات السابقة وانعكس اليوم على المستهلكين بشكل مباشر.محمد البغلي
صرف 3 آلاف دينار للمتقاعدين واستبدال إجازات الموظفين سيعنيان زيادة السيولة في السوق وبالتالي ارتفاع تلقائي للأسعار
ضرورة معالجة خلل توزيع حيازات الإنتاج الزراعي والحيواني لمصالح لا علاقة لها باحتياجات الأمن الغذائي
منذ عام 2013 لم تصدر «الإحصاء» أي بيان لـ«مسح الدخل والإنفاق العائلي»!
ضرورة معالجة خلل توزيع حيازات الإنتاج الزراعي والحيواني لمصالح لا علاقة لها باحتياجات الأمن الغذائي
منذ عام 2013 لم تصدر «الإحصاء» أي بيان لـ«مسح الدخل والإنفاق العائلي»!