«طريق اللؤلؤ» بين الكويت وفرنسا
قلة من الباحثين الذين يعرفون «طريق اللؤلؤ» والذي يربط الكويت بباريس عاصمة المجوهرات منذ زمن، وقد تكون أهمية هذا الطريق توازي «طريق الحرير» نظراً لدوره الاقتصادي وما يمثله من قيمة مالية بين البلدين، وقبل اكتشاف النفط في الكويت والخليج كانت عبارة «الذهب الأسود» تعني اللؤلؤ، فهو بمنزلة المصدر الأول في دورة اقتصاد وتجارة دول المنطقة مع العالم.اطلعت على الوثائق الفرنسية الخاصة بهذا الجانب، وهي من الأرشيف الفرنسي الزاخر بالمعلومات والحقائق، وإن كنت على صلة بهذا الموضوع الذي انفرد به الصديق والباحث يعقوب يوسف الإبراهيم، وكان في طليعة المهتمين به بإصدار كتيب يحمل اسم «العلاقات الكويتية– الفرنسية منذ عام 1778».المهم أن ما جاء في هذه الوثائق التي تعرض في الكويت يسلط الضوء على جوانب تاريخية لم تكن متداولة على نطاق واسع، بل بقيت محصورة ومحدودة. لقد شكلت اللآلئ نقطة تحول في اقتصاد الكويت، وهناك سوق لؤلؤ عالمي مشهور في مدينة بومبي يسيطر عليه عدد من التجار من بينهم اثنان من تجار الكويت، وهما الشيخ جاسم الإبراهيم وعبدالرحمن الإبراهيم (1875-1960) يأتي اللؤلؤ المباع في أوروبا من الخليج، أثار هذا المنتج اهتمام الفرنسيين والذين تراكمت ثرواتهم من خلال هذه التجارة، وتذكر الوثائق المعروضة أن جزءاً كبيراً من الأموال المتحصلة استخدمت لتجديد مدينة باريس وعلى وجه الخصوص شارع الشانزليزيه الشهير.
عن تلك المرحلة تسرد إحدى الوثائق كيف يذهب العديد من التجار الكويتيين إلى باريس لبيع ثمار محصولهم، وباريس كانت المدينة التي تربطها بهم علاقات وثيقة، فقد ذهب علي بن حسين بن علي السيف، تاجر اللؤلؤ الكويتي إلى باريس عام 1930 مع صديقه عيسى الصالح القناعي لهذا الغرض.الواقع أن الشغف الفرنسي بلآلئ الخليج يعود إلى عام 1761،لا سيما إحدى اللآلئ التي تحمل اسم ماري أنطوانيت زوجة لويس السادس عشر ملك فرنسا، وهي «ملكة اللآلئ» قدرت عام 1669 بنصف مليون جنيه، وفي الكويت كما في أمكنة أخرى في الشرق الأوسط وإفريقيا كانت المعاملات تتم من خلال عملة «ماري تريز» والتي تعرف هنا باسم «الريال الفرنسي». من المفيد الإشارة إلى تأثر أكبر تاجر مجوهرات في العالم، وهو «جان جاك كارتييه» بالفنون الإسلامية، لكن تبقى قصة «روزنتال» من الأشياء الجميلة التي تروى في عالم تجارة اللؤلؤ والصور النادرة التي يظهر فيها محاطاً بتجار اللؤلؤ الهنود والعرب في عام 1920، كذلك صور لتاجر اللؤلؤ والخبير الكويتي عبدالرحمن بن عبدالعزيز الإبراهيم (1875– 1960) في منزله بالمنامة وعبدالرحمن الإبراهيم في منزل «الذكير» .ليونارد روزنتال (1874-1955)، صائغ فرنسي أصله من داغستان، يمتلك متجراً للمجوهرات في باريس، يلقبه الصحافيون الفرنسيون بـ»نابليون اللؤلؤ» اشترى مع إخوانه اللآلئ من فنزويلا والبحرين والكويت، الأمر الذي أثار اهتمام الأمير مبارك الصباح (1837-1915)، وقد أكسبت الصفقات التي قام بها ليونارد روزنتال في بومباي عند شراء اللؤلؤ مبالغ مذهلة، في عام 1905 سافر الأخ الأصغر فيكتور روزنتال إلى الخليج، حيث اشترى اللآلئ بقيمة مليون دولار، ومكن نجاح الإخوة من إحضار أقاربهم الذين بقوا في روسيا، في عام 1920، سمحت ثروته بالاستثمار في 26 مبنى في باريس.تبقى فرنسا عاصمة للثقافة ومصدراً للثراء الفكري الحر والمستفيد، فهذا المعرض سيشكل نقلة نوعية تفتح نوافذ وثائق الأرشيف الفرنسي أمام الباحثين والدارسين وبالأخص عن تلك الشخصية المثيرة للجدل، والذي زار الكويت عام 1904 وحل ضيفاً على الشيخ مبارك الصباح، وأقام فيها ثلاثة أيام تحت اسم «عبدالله المغربي» واسمه الحقيقي «جان بابتيس غوغييه»، كاتب وصحافي وتاجر سلاح يتقن اللغة العربية.أمس كانت الكويت على موعد مع حدث ثقافي غير مسبوق، شهدته المكتبة الوطنية ينظمه ويشرف عليه مدير المركز الفرنسي للأبحاث في شبه الجزيرة العربية (CEFREPA) الدكتور مكرم عباس بعنوان «فرنسا والكويت، صداقة لأكثر من قرنين».