مجتمعات النصف نصف *
كثير من الكلمات نحفظها وأحيانا نرددها ويضعها البعض على مواقعهم المتعددة في وسائل التواصل الاجتماعي فخورين بها أو ربما ليعلنوا أنها تمثلهم أو هكذا يبدو للمتلقي، ولكن أن تضع عبارة وتقوم بعكسها فهنا يبدو الأمر موضعا للسخرية لا بين المتابعين لك، ولكن حتى المقربين العارفين بك، رغم ذلك يستمر كثيرون في نشر «الكليشهات» أو يرددون ما يقال وكأنهم مؤمنون به ثم يمضون كما هم أكثر بعداً مما يقولون وينصحون به الآخرين.هذا أكثر الأمراض انتشاراً، وهو الأخطر من جدري القرود وإنفلونزا الضفادع!!! هو حقيقة مرض اجتماعي منتشر حتى الخوف من الإصابة به فقط عبر متابعة البعض على «تويتر» أو «إنستغرام» أو «فيسبوك»، وهم في ذلك كما المسؤولين الدوليين ومحليي «الصنع» والولادة، حيث يرددون صباحا مساء وعلى صفحات الجرائد والمحطات وكل وسائل الاتصال رسائل تحمل قيم الحق والعدالة والمساواة و... و... وكثرة هي تلك المعايير التي فقدت قيمتها عندما تحولت إلى مادة في الدبلوماسية والأحاديث الدبلوماسية الممجوجة. يردد ذاك المسؤول الدولي أن مشاركة المرأة أساس في أي عملية للبناء، خصوصاً بعد الحروب والنزاعات فيسقط السؤال عليه كالصاعقة: «وكيف وضع النساء في فريقك؟»، يتلعثم بعض الشيء ثم يردد بالطبع بالطبع انظروا حولي وحولكم... يسود بعض الصمت لأن الأعين تبحث عن النساء في الفريق حتى يطلب هو منهن أن يقفن ليثبت لكل الحضور أنه يفعل ما يقول حقا حقا، وفجأة تقف النساء الجالسات في الصفوف الخلفية في حين يتقدمهن رجال خلف رجال خلف رجال بيض!!!
يتنفس هو قبل الحضور الصعداء عندما يكسر أحدهم الصمت المغلف بكثير من الأسئلة، فيعيد النقاش أو الحوار إلى ما كان عليه من برودة شديدة، فالروتين لا يصيب الحياة فقط بل يتحول إلى روتين للأحاديث والكلمات التي هي جزء من «الموضة» أليست كلمة «تنمر» هي موضة هذه المرحلة أو «تمكين النساء» التي تأتي من أكثر الرجال والنساء قلة في الإيمان بدور النساء في كل المجتمعات؟ ألم تتساو المجتمعات في عدائها للمرأة ولولا القوانين والتشريعات التي دفعت كثير من النساء والرجال أيضا حياتهم ثمنا لها، لعاد البعض لوأد البنات أو على الأقل تمنى ذلك وهو يطيل المحاضرة عن الدور المهم للنساء في بناء مجتمعاتهن الصغيرة والكبيرة.أكثر تلك الشعارات إثارة هي «النساء نصف المجتمع» أو «الأم مدرسة» وغيرها التي تحفّظ للأطفال في المدارس في حين يتصرف المربون بشكل مغاير تماما، فلا النساء نصف المجتمع ولا ربعه عندما يأتي الوقت لاتخاذ القرارات الحاسمة على مستوى العائلة أو المجتمع أو الدولة أو العالم، ولا هي مدرسة بل هي تابعة أو هكذا يراد لها حتى تثبت نفسها كالبريء الذي يجرمونه حتى يثبت براءته!!مدهشه المجتمعات التي صرفت وتصرف الملايين بل المليارات من الدولارات واليورو والدنانير والدراهم والجنيهات على ما يسمى مشاريع لتعليم وتمكين وتعزيز دور النساء في المجتمعات، وما هي إلا أيام من بعد رحيل أو انتهاء المشروع حتى تعود الحال إلى ما كانت عليه، ألا ترون ما يحدث في أفغانستان التي صرفت الدول الأوروبية مبالغ طائلة لتعزيز دور المرأة الأفغانية التي تطلب طالبان منها اليوم أن تتنقب وهي تقرأ نشرة الأخبار، وألا تتعلم وغيرها من الردة التي تبدو مذهلة أو ربما تتطلب مراجعة هذه الدول المانحة لبرامجها وتعاملها مع ما يسمى منظمات المجتمع المدني المستقلة في مجتمعات تابعة بأكملها، فكيف يكون للجمعيات استقلالها بالله عليكم؟ كلها كليشيهات أو أنصاف مواقف أو حتى أنصاف حلول أو ترقيع للأوضاع حتى مسميات أو شعارات لأنها هي أيضا أصبحت مهنة يمارسها البعض بإتقان شديد، يقول لي ذاك الصديق مشكلة بعض اليساريين في مجتمعاتنا أنهم وأنهن ينظرن للعمل كأنه رسالة، وهو في الواقع ما هو إلا وظيفة عليهم أن يمتهنوها ويتقنوا امتهانها فقط، وأن يتركوا ما تعلموه من تأدية الدور في بناء المجتمعات الحرة التي يتساوى فيها البشر كمواطنين لا كعبيد أو رعاة. يذكرها الصديق أنه هو وقع في ذاك الخطأ نفسه، فماذا حصل معه؟ ها هو يأخذ إجازة دون مرتب ويبتعد عن الوظيفة والمدينة والناس لينعزل بعض الشيء ويعير حساباته مع نفسه أولا أو ربما مع مجتمع خاص وعام يحترف النفاق.يقول مظفر الذي لم تجف تربته بعد: «أيقتلك البرد؟أنا.. يقتلني نصف الدفءونصف الموقف أكثر.* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.