الناتو يستكشف نوايا تركيا المنشغلة بمنع انتساب فنلندا والسويد إلى الحلف
يتمحور اعتراض تركيا الأساسي على انتساب السويد وفنلندا إلى الناتو حول وجود أشخاصٍ تعتبرهم منتسبين إلى «حزب العمال الكردستاني» أو داعمين له داخل السويد وفنلندا، فاشتكت أنقرة أيضاً من اللقاء الذي جمع وزراء سويديين مع سياسيين سوريين أكراد تتّهمهم تركيا بالارتباط بـ»حزب العمال الكردستاني».
بعد المأزق الذي سبّبته تركيا بسبب إصرارها على المماطلة في ملف انتساب السويد وفنلندا إلى الناتو، يحاول الدبلوماسيون داخل الحلف مجدداً أن يفهموا نوايا أنقرة الحقيقية، حيث بدا وكأنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يريد منع الدولتَين الشماليتَين من الانضمام إلى الناتو، فقال قبل أيام: «نحن لا نحمل شعوراً إيجابياً حول هذه الخطوة»، ثم رفع سقف الكلام بعد أيام وربط بين انتسابهما وتسليم «الإرهابيين».يتمحور اعتراض تركيا الأساسي حول وجود أشخاصٍ تعتبرهم منتسبين إلى «حزب العمال الكردستاني» أو داعمين له داخل السويد وفنلندا، فاشتكت أنقرة أيضاً من اللقاء الذي جمع وزراء سويديين مع سياسيين سوريين أكراد تتّهمهم تركيا بالارتباط بـ«حزب العمال الكردستاني».يبدو أن معظم الاعتراضات التركية ترتبط بالسويد التي تشمل نسبة كبيرة من الشتات الكردي، وفي المقابل، اقتصرت الجماعات الناطقة باللغة الكردية في فنلندا على 15 ألف نسمة تقريباً في عام 2020، أي أقل من 0.3% من العدد السكاني الإجمالي.
لكن بعد يوم على تعليقات إردوغان الأولية، أعلن المتحدث باسمه، إبراهيم كالين، أن تركيا «لا تغلق الباب» في وجه السويد وفنلندا، ثم أضاف قائلاً: «نحن نريد خوض نقاش حول هذا الموضوع طبعاً ونرغب في التفاوض مع نظرائنا السويديين»، وبعد مكالمة هاتفية بين كالين ومسؤولين من السويد، وفنلندا، وألمانيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، قال مكتب الرئيس التركي: «فَهِم المعنيون أن عملية الانتساب لن تتقدم إذا لم تحصل تركيا على ما تتوقعه».بالإضافة إلى «حزب العمال الكردستاني» والجماعات المرتبطة به، تعترض أنقرة أيضاً على وجود أتباع فتح الله غولن في الدول الغربية، علماً أنه متّهم بتنظيم محاولة إسقاط إردوغان في عام 2016، وهرب عدد كبير من مناصري غولن إلى خارج تركيا خلال حملة القمع التي تلت الانقلاب الفاشل، وقصد بعضهم السويد.كذلك، تكلم المسؤولون الأتراك عن حظر تصدير المعدات الدفاعية إلى تركيا غداة توغلها العسكري في سورية، وفي عام 2019، لصدّ «وحدات حماية الشعب» المرتبطة بـ»حزب العمال الكردستاني»، كانت السويد وفنلندا من بين الدول التي حظرت تصدير الأسلحة إلى تركيا.يقول أوزغور أونلوهيسارجيكلي، مدير «صندوق مارشال الألماني» في أنقرة: «يجب أن نضع رسالة الرئيس وأعوانه في خانة المجاملة، لا التناقض، فهذه المواقف تعني ما يلي: «نحن لا نريد أن نمنع انتساب السويد وفنلندا إلى الناتو، لكننا سنفعل ذلك إذا لم يتصرف البلدان بالشكل المناسب». إذا أبدت السويد وفنلندا المرونة اللازمة لمعالجة مخاوف تركيا، فمن الأسهل حل هذه المشكلة برأيي، لكن إذا امتنعتا عن فعل ذلك وأصرّ الرئيس إردوغان على موقفه، أظن أن تركيا ستمنع انتسابهما».بعد لقاء مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، يوم الأربعاء في نيويورك، أعاد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو التأكيد على دعم تركيا لسياسة «الباب المفتوح» في الناتو، لكنه أكد على ضرورة معالجة «مخاوفها الأمنية المشروعة». لم يربط المسؤولون الأتراك هذه المسألة بالمأزق الذي يواجهه الناتو صراحةً، لكن ربما تحاول أنقرة استغلال هذا الموضوع لزيادة نفوذها في مناطق أخرى.بعد طرد تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة «ف35» الذي تقوده الولايات المتحدة في عام 2019 بسبب إقدامها على شراء صواريخ روسية الصنع للدفاع الجوي، دعت أنقرة واشنطن إلى تأمين المعدات اللازمة لتحديث أسطول الطائرات المقاتلة «ف-16»، فضلاً عن أربعين مركبة من الطائرات الحربية بأحدث نسختها.قال جاويش أوغلو بعد اجتماعه مع بلينكن إن تلك المفاوضات «تسير بشكلٍ إيجابي»، ثم صرّح مسؤولون أتراك لموقع «بلومبيرغ نيوز» بأن أنقرة تحاول أيضاً العودة إلى مشروع «ف35» الذي استثمرت فيه تركيا 1.4 مليار دولار قبل استبعادها، بحسب قول إردوغان، كما ترغب أنقرة في رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها بعد شراء الصواريخ الروسية «إس-400».يضيف أونلوهيسارجيكلي: «يبدو جزء من توقعات تركيا واقعياً، فهي تريد رفع القيود المفروضة على الأسلحة، لكنّ المسائل الأخرى أكثر تعقيداً، وقد تتوقع تركيا التزاماً معيناً، من السويد تحديداً، لمنع إشراك المنظمة الإرهابية في الحياة السياسية، حتى أنها تريد التأكد من تعاون البلد مع السلطات التركية لتسليم المطلوبين، وامتناعه عن منح اللجوء إلى أشخاص يُشتبه في تورطهم مع «حزب العمال الكردستاني».هذا الخلاف ليس الأول من نوعه بين تركيا ودول الناتو الأخرى، ولا يزال الدعم الغربي لفصائل «وحدات حماية الشعب»، التي أدت دوراً محورياً في محاربة «داعش» في سورية، يزعج تركيا حتى الآن، وفي المقابل، أجّجت صفقة صواريخ «إس-400» التُهَم القائلة أن أنقرة بدأت تقترب من روسيا وإن الصواريخ تُهدد دفاع الحلف المتكامل. منذ سنتين، صمّمت تركيا خطة دفاع خاصة بحلف الناتو في بولندا ودول البلطيق، وطالبت حلفاءها باعتبار «وحدات حماية الشعب» جماعة إرهابية، ونُفّذت الخطة الأصلية في نهاية المطاف من دون أن تتنازل أنقرة عن مطالبها.يقول تيموثي آش، خبير اقتصادي في شركة BlueBay Asset Management المتخصصة بشؤون تركيا في لندن: «إذا أصرّ إردوغان على هذه السياسة، فقد تنقطع العلاقات بين تركيا والغرب نهائياً، مما ينسف آمال تركيا في الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي... حتى أن هذا الموقف قد يسيء إلى مكانة تركيا داخل حلف الناتو، لكن من المتوقع أن يستغل إردوغان هذه المسألة لمصلحته حتى النهاية».* أندرو ويلكس