لم يحدث في التاريخ أن شهد بلد معين هذا الشكل من تفاوت سعر صرف الدولار إلى الحدّ البعيد الذي يعيشه لبنان. يعجز خبراء الاقتصاد عن تحليل ظاهرة ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل صاروخي وانخفاضه بنفس الوتيرة أيضاً تأثراً ببيان أو أكثر لحاكم المصرف المركزي. يعيش لبنان في جهنّم «الدولار»... جهات تحقق أرباحاً طائلة بفعل ارتفاعه وانخفاضه، وآخرون تتفاقم خسائرهم بشكل محتّم.
لكنها لعبة تبدو واضحة من أركان السلطة، إذ غالباً ما يحصل هذا التلاعب على أبواب استحقاقات سياسية، إما لحظة تشكيل حكومة، أو لتمرير انتخاب رئيس مجلس النواب أو غيرها.السياسة المعتمدة من السلطة السياسية والمصرف المركزي أصبحت واضحة إلى حدود بعيدة، تبادل خدمات ومصالح على حساب أموال الاحتياطي الإلزامي وهي المعروفة بأموال المودعين، التي تتضاءل من خزنة المصرف المركزي ليتم صرفها في السوق، مما سيقود في النهاية إلى الإفلاس الشامل، لا سيما إذا ما قررت السلطة المسّ بالذهب المخزّن. السياسة النقدية التي يتبعها المصرف المركزي تفرض صرفَ وتبخير مئات ملايين الدولارات شهرياً، لا سيما أن الهدف تجنّب حصول انفجار اجتماعي وتأجيله، وهذا لا يعني إيجاد حلّ للأزمة إنما تأجيل انفجارها.على وقع أزمة الدولار وما يتبعها من أزمات اقتصادية ومعيشية واجتماعية، تستمر القوى السياسية في البحث عن صفقات وتسويات، أولها يبدأ بانتخاب رئيس مجلس النواب وهيئة مكتب المجلس غداً. لا مرشّح آخر غير نبيه بري لرئاسة المجلس، وهو يسعى مع حزب الله لتأمين مقومات الفوز من الدورة الأولى أي الحصول على 65 صوتاً. يجري بري اتصالات مع العديد من الكتل لتأمين ذلك. فيما يتولى حزب الله التفاوض مع التيار الوطني الحرّ، الذي لم يعط زعيمه جبران باسيل حتى الآن أي موقف مؤيد لانتخاب بري كما أنه لم يترك حرية الخيار لنوابه للاختيار.بحسب ما يعتبر الحزب، فإن باسيل يرفع سعر شروطه ومطالبه، التي يريد فيها أن يحقق مطالب كثيرة لا تنحصر بالحصول على منصب نائب رئيس مجلس النواب، بل تطال آلية تشكيل الحكومة المقبلة، والشخصية التي سيتم تكليفها بذلك، بالإضافة إلى شكل الحكومة والتي يريدها أن تكون سياسية ليعود وزيراً فيها، ولا يمكن إغفال مطالبته بالحصول على حقائب أساسية من بينها «الطاقة»، إذ يصر باسيل على التمسك بهذه الوزارة لمنع خصومه من الدخول إليها، وهو يصرّ أكثر على التمسك بها بعد الفضيحة التي فجرها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بشأن سحب وزير الطاقة والمياه المحسوب على باسيل لخطة الكهرباء التي تتضمن مشروعاً أوروبياً لبناء معامل وإنتاج كهرباء خلال سنتين توفر إنتاجاً للطاقة يكفي لبنان كله.يخوض باسيل آخر المعارك البارزة في عهد ميشال عون، فهو يريد التمسك بشروطه للحصول على أقصى ما يمكن تحقيقه، وهو لن يسلّم بالبقاء خارج المشهد السياسي، كما أنه يريد محاربة كل منافسيه على منصب رئيس الجمهورية، ويريد أيضاً إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من منصبه وهذا ما يضعه شرطاً أساسياً من شروط تشكيل الحكومة الجديدة، بالإضافة إلى المعلومات التي جرى تسريبها حول الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء وأراد فيها باسيل طرح إقالة قائد الجيش العماد جوزف عون وحاكم المصرف المركزي على جدول أعمالها وهو أمر رفضه ميقاتي الذي دخل في اشتباك مع فريق باسيل على خلفية خطة الكهرباء.عملياً أمّن بري الأصوات اللازمة ليكون رئيساً لمجلس النواب لدورة سابعة، وسط اتجاه لدى عدد من نواب التيار الوطني الحرّ للتصويت له على الرغم من معارضة باسيل، وقد شهد التيار انقساماً في الآراء بين النواب، لا سيما أن الياس بو صعب رشح نفسه لمنصب نائب الرئيس فيما باسيل لم يكن يوافق، قبل أن يعود ليوافق مرغماً خوفاً من حصول انشقاقات في كتلته النيابية وهي انشقاقات يتوقع كثيرون أنها ستحصل في المرحلة المقبلة بسبب افتقاد الكيمياء بين باسيل وعدد لا بأس به من النواب.
دوليات
جبران باسيل يخوض آخر معارك العهد ويساوم للحظة الأخيرة على انتخاب بري
30-05-2022