سادساً: « معايير الترقية:
وفق اللائحة التنفيذية للقانون 29/1966 الصادرة عام 1989، فقد كان يجب على عضو الهيئة التدريسية التقدم بطلب الترقية إلى القسم العلمي حيث تكتب لجنة الترقيات في القسم تقريرها العلمي في شأن الترقية (م/13 لائحة 1989)، ثم إلى العمادة حيث يحال الموضوع إلى لجنة التعيين والترقية في الكلية (م/14 نفس اللائحة)، وبعدها إلى لجنة الترقيات في الجامعة (م/15+16 نفس اللائحة).أما بخصوص القانون 76/2019 فقد نص فقط على صلاحية مجلس الكلية بتشكيل لجنة ترقيات (م/19-5)، بينما أتاح هذا القانون لمجلس القسم تشكيل لجان تخصصية دون ذكر لجنة الترقيات بشكل خاص، لكن الموضوع متروك للائحة الداخلية الخاصة بالجامعة الجامعات الحكومية (م/9-6).ويظهر من هذه القواعد أنها قد قللت من دور مجلس القسم في الترقيات، أو على الأقل فتحت المجال لمجالس الجامعات حتى تصدر لوائح تقلل فيها من أهمية مجالس الأقسام العلمية في هذا الشأن.سابعاً: التعيين في مركز العميد وصلاحية غامضة لمجلس الجامعة:
كان اختيار العميد في القانون 29/1966 يتم من وزير التربية بناء على ترشيح المجلس الأعلى للتعليم العالي (م/15).بينما جاء في القانون 76/2019 أن من صلاحيات مجلس الجامعة تشكيل لجان اختيار المرشحين لمنصب عميد الكلية (م/11-9)، وذلك وفق الشروط التي يضعها مجلس الجامعات الحكومية (م/9-5).بعدها، منحت اللائحة التنفيذية لعام 2019 مجلس الجامعة الصلاحية الكاملة لتشكيل لجنة اختيار المرشحين لهذا المنصب وفق قواعد مجلس الجامعات الحكومية (م/3 لائحة 2019).كل هذه الإجراءات الإدارية في تعيين عمداء الكليات، تتجاهل بشكل واضح رأي مجالس الكليات والأقسام العلمية، رغم أن العميد سيكون مديرها المباشر.بالمحصلة، فإن القانون 76/2019 - مع لائحته التنفيذية - قلل من كمية القواعد المنظمة لتعيين أعضاء هيئة التدريس في الجامعات وآلية ترقيتهم، تاركا المجال للجامعات حتى تصدر لوائح داخلية.لكن هذا لا يعني أنه أفسح مجالاً أوسع للتقدير العلمي، بل على العكس، فإن قانون 2019 فرض قواعد صارمة يسبق نفاذها أية لوائح داخلية للجامعة، وضع فيها معظم التخصصات المرتبطة بالتعيين والترقية في يد مجلس الجامعة، غافلاً الأقسام العلمية التي يفترض أنها الأقدر على تحديد مصلحة أقسام التدريس؛ كونها صاحبة الدراية العلمية الأولى.وبالتالي، فإن قانون 2019 زاد من تركز السلطة الإدارية الأكاديمية على حساب اللامركزية والمرونة في إدارة المرفق العلمي الأكاديمي، وهذا يخالف بطبيعة الحال مبادئ الحوكمة الرشيدة.فعلى سبيل المثال، لنفرض أن مجلس القسم اكتشف وجود مادة علمية لديه تفتقر لأستاذ متخصص، فهو مضطر لانتظار قرار مجلس الجامعة الذي قد لا يكون متخصصا بالعلوم التي يتحدث عنها مجلس القسم، ولذلك قد يخطئ التقدير ويرفض التعيين عن عدم دراية بالضرورات والأبعاد العلمية التي يستند عليها مجلس القسم.هذه الظروف تؤكد ضرورة منح مجالس الأقسام في الكليات مزيدا من الصلاحيات الاستشارية، ومنحهم فرصة الاعتراض على قرار مجلس الجامعة أمام الجهات الإدارية العليا، مع تشكيل لجنة خبرة لحسم موضوع الخلاف الذي ينطلق من منطلق علمي أكاديمي بالأساس، وليس إداريا.ثامنا: عمل لجنة التحقيق مع أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية وحماية الأمانة العلمية من خلال التحقيق والتأديب:
تستند فكرة التعليم الأكاديمي على مبدأ الأمانة، قبل مبادئ الموضوعية والدقة والبحث العلمي؛ فالأمانة هي الأساس الذي يجعل من العمل العلمي محل الثقة، وبعدها تأتي مرحلة التقييم العلمي.من هذا المنطلق، يكون على أعضاء هيئة التدريس في الجامعات مسؤولية كبيرة في إطار الأمانة العلمية وحماية سمعة الصرح الأكاديمي الذين يمثلونه، كل ذلك في مقابل الثقة الممنوحة لهم بالنظر إلى مكانتهم العلمية والاجتماعية.فإذا لم يقدر أحد أعضاء الهيئة هذه الثقة، وقام بعمل يتنافى مع مبادئ الأمانة العلمية، فيجب أن يكون للجامعة رد فعل يتساوى مع المخالفة، هذا الرد هو المسؤولية التأديبية.يتم فرض هذه المسؤولية على عضو الهيئة التدريسية في الجامعة بعد تحقيق موضوعي ومحاكمة تأديبية عميقة، بحيث يتم التأكد بما لا يدع مجالا للشك بتورط العضو في المخالفة.والأمثلة على مخالفات أعضاء هيئة التدريس كثيرة، أهمها: المساعدة على الغش في الامتحان، وتسريب أسئلة الامتحان، وتفضيل الطلبة على أساس غير موضوعي في الدرجات، والانتحال في البحث العلمي، وغيرها.تاسعاً: التوصيف ومخالفات أعضاء هيئة التدريس:
جاء نص اللائحة التنفيذية للقانون 76/2019 كالتالي: »كل عضو هيئة أكاديمية أو هيئة أكاديمية مساندة يخل بالواجبات أو يخالف المحظورات المنصوص عليها في القوانين واللوائح يعاقب تأديبيا، وذلك مع عدم الإخلال بالمسؤولية الجزائية أو المدنية عند الاقتضاء» (م/19 لائحة 2019).بناء عليه، فإن لائحة 2019 فتحت المجال على مصراعيه لمحاسبة أساتذة الجامعات من حملة درجة الدكتوراه (الهيئة الأكاديمية الأساسية) وباقي المدرسين فيها من غير حملة هذه الدرجة «الهيئة الأكاديمية المساندة».لكن توصيف المخالفة التأديبية جاء عاما وغامضا، وفق ما يلي:• الإخلال بالواجبات القانونية؛ يمكن توصيف الإخلال بالواجبات بأنه تصرف سلبي غير مشروع يأتيه عضو الهيئة التدريسية في حالة معينة بالنظر إلى قواعد القانون التي كانت تفرض عليه تصرفا إيجابيا في تلك الحالة.مثل عدم حضور المحاضرات أو التأخر في تصحيح أوراق الامتحان أو الإهمال في استلام وتسليم المستندات الجامعية مما يؤدي إلى ضياع ورقة امتحان أحد الطلبة، وغيرها.• مخالفة المحظورات الممنوعة قانونا؛ وهي عبارة عن انتهاك صريح للمحظورات القانونية، يتم هذا الانتهاك بتصرف إيجابي غير مشروع مثل وضع تقييم مبالغ فيه على أوراق أحد الطلبة بعد تمييزها من الطالب حتى يحصل على درجة أعلى من زملائه، ولا يهم هنا ما إذا كانت المصلحة التي حصل عليها عضو الهيئة مادية أم معنوية.وكنظرة تقييمية لحوكمة التوصيف التأديبي، يمكن اعتبار عدم تعداد المخالفات الموجبة للمساءلة الـتأديبية، ثغرة في لائحة 2019 حيث كان يجب على الأقل وضع تعداد على سبيل المثال يمكن القياس عليه، وعدم ترك توصيف المخالفة التأديبية لتقدير مجلس التأديب بشكل مطلق.عاشراً: الإحالة إلى التحقيق وتشكيل لجنة التحقيق:
يعتبر التحقيق من الضمانات الموضوعية لعضو هيئة التدريس، حيث إن فرض العقوبة التأديبية لن يكون إلا بعد استيضاح الموضوع من لجنة تحقيق أكاديمية رسمية.وقد فرض القانون 76/2019 وجوب التحقيق السابق على الإحالة إلى مجلس التأديب، يتم ذلك التحقيق من لجنة تتشكل من أعضاء لا تقل الدرجة العلمية لهم عن درجة المدرس المحال إلى التحقيق، بالشكل التالي (م/31 قانون 2019):• عضو من كلية الحقوق، رئيسا.• عضو من الكلية المعنية (التي حدثت فيها المخالفة).• ممثل عن جمعية أعضاء هيئة التدريس.يلاحظ في هذا التشكيل أنه كان من الأفضل أن يحضر التحقيق ممثل عن الجامعة المعنية أيضا، وذلك حرصا على تحقيق أكثر موضوعية، خاصة أن من النتائج الواقعية للتحقيق إيقاف عضو هيئة التدريس عن عمله احتياطيا لمدة لا تزيد عن 3 أشهر (م/31 قانون 2019)، وهذا ما يشكل طعنة في مركزه ونقطة سلبية في مسيرته، الأمر الذي يوجب وضع ضمانات جدية في تشكيل لجنة التحقيق لضمان موضوعية قراراتها، لاسيما عندما يكون هناك تعارض في وجهات النظر ضمن كلية معينة، تستطيع الكلية إحالة أعضاء هيئتها إلى مجلس التأديب بأسرع وقت ولأبسط المخالفات، لذلك كان يفضل وجود عضو من الجامعة المعنية في لجنة التحقيق.حادي عشر: الإجراءات ولجنة التحقيق:
تجتمع لجنة التحقيق وفق لائحة 2019 مع عضو هيئة التدريس بدعوة من رئيسها بعد دعوة العضو المحال إلى التحقيق، حيث تتم دعوة العضو قبل موعد جلسة التحقيق بأسبوعين (م/22 لائحة 2019).ومن أهم قواعد إجراءات جلسة التحقيق أنه:• لا تنعقد الجلسة (إلا) بحضور كامل أعضائها (م/22 لائحة 2019)، وهذا يشكل ضمانة لتطبيق الغايات التي من أجلها تم تشكيل أعضاء اللجنة؛ فمن غير هذا الشرط قد يجتمع أعضاء من طرف الكلية فقط أو من طرف جمعية التدريس، وهكذا قد لا تكون الجلسة موضوعية.• يحق للعضو المحال الخاضع للتحقيق، الاطلاع على أوراق التحقيق، والحصول على صورة منها قبل أسبوع من التحقيق معه، ومناقشتها، وإبداء رأيه فيها (م/34 قانون 76/2019).• يمكن انعقاد الجلسة دون حضور عضو الهيئة المحال إلى التحقيق (م/22 لائحة 2019)، بشرط القيام بإخطار العضو في مقر عمله أو موطنه المسجل في ملفه الوظيفي.• يتم كتابة محضر بجلسات التحقيق، يذكر فيه جميع إجراءات التحقيق، على أن يتم توقيع أوراق التحقيق من أعضاء اللجنة الحاضرين (م/23 لائحة 2019)، وهكذا يكون هناك دليل كتابي رسمي لما يحدث خلال وقائع التحقيق.• يتم مواجهة العضو المحال إلى التحقيق بالمخالفات محل التحقيق، وتسجل إفادته، ثم يقوم بالتوقيع عليها، وفي حال امتناعه عن التوقيع يتم تسجيل الامتناع وأسبابه (م/27 لائحة 2019).• تقوم لجنة التحقيق بإصدار تقريرها النهائي، وبيان رأيها في مدى ارتكاب العضو للمخالفة (م/29 لائحة 2019)، ثم يحال الموضوع لوزير التعليم العالي.ويبدو من هذه الإجراءات إمكانية تجاوز العضو المحال إلى التحقيق من خلال انعقاد اللجنة (دون حضوره).لذا، يجب النص على ضرورة حضوره، واعتبار أية إجراءات غيابية بمثابة المضي في التحقيق بشكل تهديدي إلى حين حضور العضو، ثم إعادة التحقيق بحضوره من جديد.كما أنه من الضروري، في حال امتناع العضو عن التوقيع على المحضر، أن يكتب هذا العضو تصريحا خطيا بيده؛ يوضح فيه سبب امتناعه عن التوقيع.