موسم التخرج
![د. بلال عقل الصنديد](https://www.aljarida.com/uploads/authors/279_1682431680.jpg)
وننتقل الى مشاعر الأهل الذين يجاهدون في الحياة من أجل تأمين مستقبل أفضل لأولادهم و»الاستثمار» في تعليمهم طمعاً بالنتيجة المجزية، فمنذ تجاوز الطفل العتبة الأولى لمرحلة الروضة يبدأ المسار الذي لا رجعة فيه، والذي يسهل استغلال المضطرين اليه، ويبدأ معه اختلاط المشاعر بين فرح غامر وقلق حاضر وأمل في قادم باهر يخفف عبء الكادحين، ويبرر صبر المنتظرين، وفي السياق، كم هي اللحظات قاسية والمشاعر متضاربة عند اضطرار شاب لترك حضن والديه طمعاً في تحصيل جامعي لا يتوافر في بلده أو في بلد إقامة ذويه، أو أملاً في الانتقال الى جو أنسب والتمتع بعيشة أفضل والحصول على فرص مستقبلية أوفر!لفلذات الأكباد الحصة الأهم من مقاصد هذه السطور، ولنبدأ من حال التعليم المتدهور يوماً بعد يوم وما سيؤول إليه مستقبل أجيالنا التي فقدت مع أسلوب «التعليم عن بعد» القليل الذي كانت تملكه من معارف ومهارات ومحفزات على التحصيل العلمي! وفي السياق يجدر بنا القلق على مخرجات التعليم العالي في ظل ثلاثية قاتلة قوامها: أولاً عدم وجود خطة جدّية لربط التخصصات الجامعية بحاجة السوق الفعلية، إضافة إلى عدم الالتفات إلى أهمية التوجيه في المراحل الثانوية لاختيار الاختصاص الذي يتناسب مع تكوين ومقدرات كل طالب، ناهيك عن واقع المنافسة الشرسة التي سيدخلها أبناؤنا حتماً في سوق العمل العالمية في عصر سمته الأساسية العولمة والانفتاح، وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة ستضطر جميع سكان الأرض للبحث- عاجلاً أم آجلاً- عن فرص أفضل خارج بلادهم. ***كثر الحديث عن أهمية إصلاح التعليم، ولعل الخطر أصبح داهماً أكثر مما نتصور! وكما أن مرض الضغط يسمّى «القاتل الصامت» لأن الذي يعانيه لا يشعر بآلام حادة تجبره– رغم إهماله أو جهله- على زيارة الطبيب ومراجعته دورياً، فإن معضلة التعليم بمسبباتها الحكومية وغير الحكومية من تجار علم جشعين وأهل غير آبهين وطلاب مستهترين... اقتربت بنا- دون أن نشعر ربما- إلى السقوط في الهاوية، وإذا ما كنّا مدركين خطورة الوضع وقصرنا أو تأخرنا بانتزاع الحل من فم الأسد أو من وكر الأفعى، فلن يفيدنا بعد ذلك أي ندم ولن ينفعنا أي حل ترقيعي، كما لن ترحمنا الأجيال القادمة مهما غرّتهم وألهتنا الدنيا بنعيم مؤقت سيزول حتماً.وكي لا نقف عند حدود «الحلطمة» فإن الحل الناجع والسريع ينطلق من إعلان حالة طوارئ وطنية لإنقاذ التعليم، تبدأ وتنتهي بقرار جدّي وحاسم، وتمرّ بسلسلة تعاون ونقاشات تشارك فيها السلطات الدستورية والجهات المعنية من القطاعين العام والخاص، ناهيك عن مكونات المجتمع الأهلي المختصة. ولتبدأ المسيرة بخطوات متواضعة لكن ثابتة ودائمة دون أن نعمي أبصارنا أو نلهي بصائرنا ببهاء الطروحات ورونق الطموحات وجمالية الخطط المستوردة التي غالباً ما تكون إنشائية أو غير مطابقة للمواصفات المحلية. * كاتب ومستشار قانوني.