‏في محاضرة للمثقف والشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، تم تخصيص الحديث عن جماليات مفردات الموضوعات في شعر المتنبي، وقد اخترت منها ما أشار إليه من ذكرٍ للأماكن، وكيف تناول بعضها في شعره:

‏**‏*

Ad

‏• من عادة الشاعر العربي، في العصور الغابرة، أن يستهل قصيدة المدح بالنسيب، حتى يصل إلى ممدوحه، كما يفعل الطاهي الماهر بتقديم أشهى المُقبلات وأطيبها قبل أن يفرش المائدة ويضع ألوان طعامها، لكن أبا الطيب استعاض عن الحبيبة بمحاسن المكان الذي أُخذ بجماله، لكنه وهو في عز تفاعله مع جمال المكان يستدرك - إذا كان المكان خارج وطنه العربي - فيقول:

وَلَكِنَّ الفَتى العَرَبِيَّ فيها

غَريبُ الوَجهِ وَاليَدِ وَاللِسانِ

‏**‏*

• مما كتبه العرب: إن جنان الدنيا أربع:

‏- غوطة دمشق.

‏- نهر الأُبلة.

‏- شِعب بوان.

‏- صُغدُ سمرقند.

‏وفي عام 965 حل أبوالطيب ضيفاً على عضد الدولة بن بويه في طريقه إلى شيراز، فمر بتلك الجنة الغناء، ‏فأُخذ بجمالها، فثار إلهامه، فأرسل في تلك الشِّعب - بوان - أبياتاً من الشعر، واصفاً إياها بالمكان الساحر، وهو وصف عز نظيره في وصفه لأي مكان آخر. وقد خلع عليه الربيع أزهى مُلكهِ، ولم يكن المتنبي ميالاً لزيارة شيراز وأميرها لولا إلحاح ابن العميد، لأن المتنبي يحمل في نفسه كبرياء الإنسان العربي، والذي يعتد بتلقيه العلم في مدارس الأشراف، هو الذي تمتد أصوله إلى بادية السماوة. وهو الذي قال:

وَإِنَّما الناسُ بِالمُلوكِ وَما

تُفلِحُ عُربٌ مُلوكُها عَجَمُ

‏• إلا أن مروره بشِعب بوان أيقظ في نفسه مشاعر لا عهد له بها في كثير من الأماكن الجميلة التي شهدها في حياته من قبل، ولم تستأثر بخياله، ولا حظيت بإعجابه، بدءاً من سواد العراق، مروراً بطبرية وأنطاكية وبساتين حمص وحلب، حتى غوطة دمشق وحدائق نيل مصر.

‏وقبل أن يصل المتنبي إلى مدح الأمير الديلمي، استهل قصيدته بوصف للطبيعة، وقد أبدع في ذلك أيما إبداع، ومما قاله فيها:

مَغاني الشِّعبِ طيباً في المَغاني

بِمَنزِلَةِ الرَبيعِ مِنَ الزَمانِ

**‏*

‏أعتذر، فمساحة المقال قد انتهت!

د.نجم عبدالكريم