عزيزة البسام أيقونة العطاء
في كل موقف نتجرع فيه مرارة الفقد تشاغلنا سهام التحسر: ليتنا، وليتنا، نغالبها فتغلبنا، ليتنا أمضينا مع أحبتنا وقتا أطول، وليتنا عبرنا لهم عن هذه المشاعر التي فجرها الفقد، ولكن الضعف البشري الذي جبلنا عليه يصرفنا إلى قضايا أخرى وهموم أيامنا، فما زال صوتها في أذني محادثة دارت بيننا يوم الأحد قبل وفاتها بيوم، سبحان الله، قطرات من الأنس في حديثها انتشيت. هذه امرأة أيقونة عطاء ووفاء، ملاك بأجنحة تتنامى وتفيض لتظلل كل تعب وتمسح دمع كل مكلوم، وعزاؤها ليس في كل بيت كويتي فقط، إنما أنا على ثقة أن كثيراً من المدن العربية فيها بيوت تبكي أم العز، أصدقاء جمعهم بها فكر مستنير ومودة صادقة، وتذوق لكل صور الإبداع من فنّ جميل أو مشاركة في حوار الأفكار أو قراءة في واقع مجتمعاتنا العربية والحلم في مستقبل نقي يشع بالإنجازات المأمولة التي تضع العرب في دائرة الضوء الحضاري.هذا زمن طغت فيه أضواء الشهرة ولغة الجذب والكذب، فهما الشغل الشاغل لكثير من طوائف المجتمع، ونحن لا نعلم إلا جهود من يتابعهم الإعلام ووسائل الاتصال، لكن من يعمل بصمت اختارهم الرب سبحانه ليكونوا من الصفوة، فعطاءات عزيزة تنطق سيرتها ببعضها، منها مواقفها الشجاعة إبان الغزو الصدامي الغاشم، ومن عطاءاتها التي لا تُنسى جهودها في إنشاء أول مكتبة نسائية في الكويت، وإخلاصها في العمل في مؤسسات المجتمع المدني، منها رابطة الاجتماعيين والجمعية الثقافية النسائية، وحضورها الفاعل بالمشاركة والتعليق في الأنشطة الثقافية والتربوية والتوعوية والخيرية.
وما خفي من جهودها أعظم، فكثير من عطاءاتها الإنسانية غير موثق، أعطت الجهد والمال والفكر والمشاركة في تبادل سديد الرأي في حل كثير من المشكلات، وأما وفاؤها فقد نطقت به فيض دموع وشهقات تحسر على هذا الغياب المباغت، فالأخوّة والصداقة عند عزيزة مفهومها موقف وفعل مع قليل من القول. رحم الله العزيزة عزيزة، وجبر كسر قلوبنا عليها، وجمعنا بأحبتنا وبها في مستقر رحمته ودار كرامته، والحمد لله، ولا نقول إلا ما يرضي الله، «إنا لله وإنا إليه راجعون».