رحى الحريات ودورانها في الخليج العربي
قبل الولوج في الموضوع نعرج على معنى الحرية ومفهومها، وبعض ضوابطها بشكل مختصر، فالحرية للإنسان ليست مطلقة، ولا بد أن تكون مقننة، وفق ما يقتضيه المجتمع الذي يعيش فيه الفرد، أي مثلا لتتضح الصورة: لا يجوز المشي في الطريق وأنت شبه عار وتقول أنا حر، كما لا يحق أن تشرب الخمر في الطريق وتقول أنا حر، وغير مقبول أن تفتح محلات تعارض الدين والثقافة الإسلامية لمجتمعك بتبريرك للحرية.رجوعا إلى موضوعنا، الحرية في الخليج العربي مقننة أيضا، لكن ما نريد أن نسلط الضوء عليه هو تلك الحرية المخنوقة المتعلقة بحياة الناس في المجتمع، والتي رحاها يتنفس يوما ويخنق يوما آخر، وليست تلك التي ذكرناها وفق الضوابط أعلاه التي شرعنها ديننا الحنيف والحياة الاجتماعية في إطار التفاعل والتعامل مع الجماعة التي يعيش فيها الإنسان وذلك بعدم الإتيان بِعمل يخل أو يتنافى مع المجتمع. ما نقصده في هذا المقال والذي يعنينا عن الحرية المبتغاة، في الخليج العربي، ألا تُقنن الحرية المتعلقة بالشأن العام وشؤون المجتمع وفق أمزجة الحكومات، فنحن نرى الحرية رحاها يرتفع وينزل، وفق أمزجة الحكومات، نرى أنه يسمح يوماً للجميع باستخدامها بارتفاع كبير وفي فترة يُخنق الجميع ويمنع حتى عن الإدلاء برأيه في الشؤون المجتمعية وحاجات المواطنين للتعبير عن رأيهم، وهذا للأسف لن يخدم الناس، كما يحد من وصول رغبات واحتياجات المواطنين للمسؤولين، الذين هم في أمسّ الحاجة- ولاة الأمر- لمعرفة هذه الرغبات قبل غيرهم.التضييق على الحريات ليس من مصلحة الجميع، فالحرية مرآة تعكس العيش للناس وتعطي انطباعاً وصورة حقيقية عن حياة المواطنين لولاة الأمر وأصحاب القرار، لذا هي مهمة للحكومات قبل أهميتها للناس. أعتقد من الضروري بمكان رفع سقف الحريات بما لا يتجاوز الخطوط الحمراء كالتعدي على الذات الإلهية ورسالاته النبوية، فضلا عن التعدي على حقوق الآخرين المصونة بالدين الحنيف. إذًا نحن كما ذكرنا أعلاه، لا نختلف أن للحرية حدوداً وعلى الشخص مراعاة هذه الحدود، لكن اختلافنا مع التضييق على الحريات المتعلقة بحياة الناس، كالتمييز وعدم المساواة بينهم، ومشاكل حقوقهم كالتوظيف والصحة والإسكان، ومراقبة المال العام ووضع ضوابط وقوانين تحكم الفساد الإداري والمالي.
مع الطفرة الكبيرة في عالم الميديا لا يمكن السيطرة على الحريات بشكل مطلق، خصوصاً مع الميديا الجديدة المعروفة باسم الميتافيرس- حضرت محاضرة عنه في آخر مؤتمر الأسبوع الماضي- والتي تعرف باسم، الميديا ما وراء الكون ولا داعي أن يكون عندك إنترنت، أو كمبيوتر، أو هاتف ذكي لاستخدامها، تحتاج فقط نظارة، أي ليس هناك يد أو سلطة تتحكم فيها كـ»فيسبوك» و»تويتر» و»إنستغرام». التضييق على الحريات يفضي بنا أو يوصلنا إلى تفشي السارقين والمسروقات، والفاسدين والمفسدين، ويدفع بنا إلى زيادة هدر المال العام من غير محاسبة ولا مراقبة، إذا مُنع البوح بالسرقات والحرية في القول لإشهار السارقين.كما تعلمون، الحرية لا تعني التعدي على حقوق الآخرين بل يجب خنقها، ويمنع على الأفراد انتهاك حقوق الشخص ومعرفة كيف يعيش، وأين يسافر، وماذا يلبس، وماذا يفعل، وأين يقضي وقته، ويذهب للمسجد أم لا، وكيف يصرف أمواله، فهذه الأمور ليست من شؤوننا إذا كان الشخص لا يضر أحداً أو يمس بحقوق الآخرين. * كاتب بحريني