قبل أيام التقيت في رام الله مراهقة تُـدعى مريم، حدثتني مريم، بلغة إنكليزية متقنة، عن مدى استفادتها من واحدة من 450 مَـدرَسة تعمل بالطاقة الشمسية والتي مولها بنك الاستثمار الأوروبي في الضفة الغربية، ولمست من حديثها إدراكها التام للتحديات التي تواجهها منطقتها بسبب تغير المناخ. لكنها أيضا كانت ناضحة بالتفاؤل، وشرحت لي بالتفصيل لماذا يتعين على منطقة الشرق الأوسط أن تبذل المزيد من الجهد للاستفادة من أشعة الشمس، واحدة من موارد الطاقة النظيفة القليلة التي تتمتع المنطقة بوفرة منها. وفي منطقة يتزايد عدد سكانها، يعرف الإسرائيليون أن نُـدرة المياه من الممكن أن تؤدي بسهولة إلى صراعات جديدة، وهم يريدون تعظيم قدراتهم في مجال تحلية المياه على النحو الذي يمكنهم من مقايضة المياه بالطاقة النظيفة.
تؤثر أنماط هطول الأمطار، ونُـدرة المياه، والظواهر الجوية القاسية المتزايدة التواتر والشدة- بما في ذلك موجات الحر وحرائق الغابات- على الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، ومن الواضح أن الحاجة إلى معالجة المشكلة تُـعَـد واحدة من القضايا القليلة التي يتفق عليها الطرفان، وهذا ما أكدته لي محادثاتي مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، في سياق الصراع، حيث يُـنـظَـر إلى أغلب السياسات على أنها مباراة محصلتها صـفـر، تُـعَـد مشاريع المناخ استثناء. في خطاب ألقاه في فبراير الماضي، أشار إسحاق هرتسوغ إلى تزايد حدة الظواهر الجوية القاسية على أنه نداء إيقاظ للمنطقة، وقال محذرا: «لمن لا يفهم ماذا يعني هذا، اسمحوا لي أن أوضح: هذا يُـنـذِر بكارثة حقيقية، إن أزمة المناخ عالمية، ونحن في الشرق الأوسط يجب أن نفهمها في المقام الأول على المستوى الإقليمي، لأن تداعياتها ستكون مأساوية».ثم دعا هرتسوغ إلى إقامة شراكة إقليمية لخلق «شرق أوسط متجدد»، تشمل رؤيته الإمارات العربية المتحدة، ومِـصر، والأردن، والبحرين، والمغرب، والمملكة العربية السعودية، و«الفلسطينيين»، ولكن برغم أن السلطة الفلسطينية دفعت ببعض سياسات المناخ، فإن الأمر يتطلب استثمارات ضخمة لترجمة هذه الأفكار إلى عائدات واسعة النطاق من المياه النظيفة من محطة تحلية المياه المركزية في غزة والطاقة الشمسية في الضفة الغربية.الواقع أن مشاريع التخفيف والتكيف هذه ستكون ضرورية لإدارة القضايا الإنسانية والبيئية والاقتصادية الناجمة عن تغير المناخ، فبعد عودتي إلى لوكسمبورغ من زيارتي للمنطقة، بات من الواضح في تصوري أكثر من أي وقت مضى أننا في احتياج إلى الاستفادة من «الإجماع المناخي» الحالي لبناء الزخم وراء ذلك النوع من المشاريع المناخية التحويلية المتوخاة في الصفقة الخضراء الأوروبية، فبينما تساهم مثل هذه المشاريع في جعل أوروبا محايدة كربونيا بحلول عام 2050، فإنها من الممكن أن تساعد أيضا في تعزيز الاستقرار وتحسين الظروف الاقتصادية في الشرق الأوسط.لقد أصبح إيماني بالقوة التحويلية الكامنة في الاستثمارات المناخية الذكية أشد رسوخا بمرور الوقت، فعلى مدار السنوات القليلة الأخيرة، أصبح بنك الاستثمار الأوروبي أكبر ممول متعدد الأطراف لمشروعات المناخ، مع تعهدات بدعم استثمارات لا تقل قيمتها عن تريليون يورو (1.05 تريليون دولار أميركي) هذا العقد، ولكن في منطقة معقدة مثل الشرق الأوسط، يتطلب الأمر أكثر من مجرد التمويل لإنجاز العديد من هذه المشاريع، وسنحتاج إلى قدر أعظم كثيرا من التعاون بين البلدان وأصحاب المصلحة الخارجيين الرئيسيين مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.ومن الممكن أن يساعد مكتب بنك الاستثمار الأوروبي الجديد، الذي افتتح هذا الشهر في القدس لتمثيل الضفة الغربية وقطاع غزة، في تعزيز مثل هذا التعاون، وسيعمل على تطوير شراكات وإقامة أواصر تعاون أقوى في الضفة الغربية وقطاع غزة في حين يقدم الدعم أيضا لمشاريع المناخ التحويلية العابرة للحدود في مختلف أنحاء المنطقة، وعلى هذا فإنه سيكون مفيدا في تعزيز دبلوماسية المناخ التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط.نحن نسعى، من منظور أوروبي، إلى استكمال وتوسيع نطاق ما بدأه المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص لشؤون المناخ جون كيري من خلال جهوده الدبلوماسية الرامية إلى دفع دول الشرق الأوسط إلى تبني الطاقة المتجددة تدريجيا، وهذا يعني تمويل تطوير مشاريع الطاقة المتجددة على نطاق واسع وتعزيز التعاون المائي في المنطقة وبناء إجماع مناخي أقوى.أنا على يقين أن دعم دبلوماسية المناخ بمشاريع إبداعية عالية الجودة وذات أهمية إقليمية كفيل بفتح آفاق جديدة واعدة لتحقيق الاستقرار، والنمو، وإحلال السلام في الشرق الأوسط، فقد حان الوقت لإعطاء تمويل المناخ الفرصة.* رئيس بنك الاستثمار الأوروبي.* فيرنر هوير
مقالات
إجماع المناخ في الشرق الأوسط
01-06-2022