اتجه الكولومبيون الأحد الماضي للإدلاء بأصواتهم خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية القادرة على تغيير معالم أميركا اللاتينية، وتُعتبر كولومبيا الدولة البارزة الوحيدة التي لم تنتخب يوماً أي رئيس يساري في المنطقة، وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى احتمال تغيّر هذا الوضع، إذ إن غوستافو بيترو هو المرشّح الأوفر حظاً: شارك هذا اليساري في حرب العصابات سابقاً، ثم تحوّل إلى خبير اقتصادي وسياسي، وسرعان ما أثّرت رسالته الشعبوية بالناخبين المستائين من استفحال اللامساواة.يبلغ بيترو 62 عاماً، وهو ليس اسماً جديداً في معترك السياسة، فقد كان مشرّعاً ورئيس بلدية العاصمة بوغوتا في الماضي، وسبق أن ترشّح للرئاسة مرتَين، كان بيترو قريباً من الفوز خلال الانتخابات الماضية، في 2018، حين نافس الرئيس المحافِظ الحالي، إيفان دوكي ماركيز، واليوم، تبلغ نسبة معارضي ماركيز 75%.
يملك بيترو فرصة حقيقية لهزم المرشّح المحافِظ فيديريكو «فيكو» غوتيريز هذه السنة، لكن حملته الانتخابية أدت إلى تقسيم البلد الذي شهد طوال عقود صراعاً يحمل طابعاً ماركسياً، ويعكس صعود بيترو حجم انعدام الاستقرار في كولومبيا خلال السنوات القليلة الماضية.مسار الانتخاباتإذا لم يفز أي مرشّح بأكثر من 50% من الأصوات يوم الأحد، ستنطلق الجولة الثانية من التصويت في 19 يونيو، واستناداً إلى نتائج الاستطلاعات الراهنة، يبدو أن الجولة الثانية ستكون حتمية في هذا الاستحقاق. يختار أكثر من 39 مليون ناخب كولومبي مُسجّل المرشحين من بطاقة اقتراع تتضمن ثماني خانات، لكنّ التصويت لمرشّح مُنسحب يصبّ تلقائياً في مصلحة المرشّح الذي يحظى بدعمه. تمنح كولومبيا الناخبين خيار التصويت بورقة بيضاء: إنها الطريقة التي يعطيها الدستور للناس كي يعبّروا عن استيائهم من المرشحين ككل، وإذا استعمل معظم الناخبين هذا الحق، فلا بد من تنظيم انتخابات جديدة يشارك فيها مرشّحون مختلفون، لكن تبقى هذه النتيجة مستبعدة.تشهد هذه الانتخابات تغييراً بارزاً بعد فتح الحدود بين كولومبيا وفنزويلا مؤقتاً للسماح لأكثر من 195 ألف كولومبي مقيم في فنزويلا بدخول بلدهم الأم للتصويت، وقد أغلقت القنصليات الكولومبية أبوابها في فنزويلا منذ انهيار العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 2019.تحديات كبرى أمام الرئيس المقبلوفق استطلاعات الرأي، يظن أكثر من 74% من الكولومبيين أن بلدهم يسير في الاتجاه الخطأ، تتعلق أكبر التحديات التي تنتظر الإدارة المقبلة بمعالجة مظاهر اللامساواة والفقر، فضلاً عن تهريب المخدرات والمسائل الجيوسياسية الإقليمية.زاد إنتاج الكوكايين في كولومبيا بدرجة ملحوظة في السنوات الأخيرة ويشكّل هذا القطاع مصدر دخل كبير للبلد، حتى أنه يتجاوز أحياناً قيمة صادراته القانونية، فيجب أن تُخطط الإدارة المقبلة إذاً لطرح بدائل اقتصادية فاعلة للمزارعين المتورطين في هذه الأعمال، ويُفترض أن تشمل هذه الخطة تطوير علاقات استراتيجية مع المحميات الأصلية، والجماعات الكولومبية من أصل إفريقي، والحدائق الطبيعية، إذ يقع نصف محاصيل الكوكا الإجمالية في هذه الأماكن.على الساحة العالمية، تبقى كولومبيا في طليعة الدول التي تتأثر بالأزمة الإنسانية المستمرة في فنزويلا، وقد استقبلت كولومبيا أكبر عدد من اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين الفنزويليين، ويقيم أكثر من 1.8 مليون فنزويلي في كولومبيا بدءاً من أغسطس 2021، وأدت سياسة الباب المفتوح التي طبّقتها الحكومة وقرار دوكي بتسهيل معاملات إعطاء الجنسية لهؤلاء المهاجرين إلى زيادة أعباء المستشفيات وخدمات عامة أخرى.سيضطر الرئيس الكولومبي المقبل لاتخاذ قرار حاسم حول إعادة إحياء الروابط الدبلوماسية مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ويتابع غوتيريز انتقاد نظام مادورو ويعارض تجديد العلاقات بين الطرفَين، لكن يظن بيترو في المقابل أن تحسين الروابط الثنائية قد يساعد البلدَين في تجديد العمليات التجارية واسترجاع السيطرة على حدودهما المشتركة، لكنّ هذه الخطوة قد تؤجّج الخلاف بين كولومبيا وحلفائها القدامى في واشنطن لأن الولايات المتحدة لا تعترف بنظام مادورو.* ماريا خيمينا أراغون
مقالات
هل أصبحت كولومبيا مستعدة لرئيس يساري؟
01-06-2022