دبلوماسيو فرنسا يتمردون على إصلاحات إيمانويل ماكرون
ينظم الدبلوماسيون الفرنسيون غداً، إضراباً هو الأول من نوعه منذ نحو عقدين؛ احتجاجاً على خطط الإصلاح الحكومية التي يطبقها الرئيس إيمانويل ماكرون. ومع هذه الخطوة، يخرُج إلى العلن «الضيق» الذي تشعر به الأوساط الدبلوماسية الفرنسية المتكتمة عادة، إزاء إصلاحات تزيد في رأيهم من تراجع نفوذ فرنسا على الساحة الدولية.وفي الوقت الحالي، تُوَظِف فرنسا ثالث أكبر خدمة دبلوماسية في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين، العاملين بها وتدربهم ليصبحوا مبعوثين وسفراء لفرنسا.وكان هذا التذمّر كامناً منذ أشهر، لا بل سنوات، لكنه خرج إلى العلن بعدما نشر في الجريدة الرسمية في أبريل المرسوم التطبيقي في وزارة الخارجية، للإصلاح المتعلق بالوظائف العامة العليا.
ويستحدث هذا الإصلاح الذي أراده ماكرون، سلكاً جديداً للموظفين المشرفين على إدارة الدولة، وينص على أن الموظفين الكبار لن يكونوا مرتبطين بعد الآن بإدارة معينة، بل على العكس، هم مدعوون إلى تغيير الإدارة التي يرتبطون بها بانتظام طوال مسيرتهم المهنية.ويرى الدبلوماسيون الذين يشملهم هذا الإصلاح والبالغ عددهم نحو 700، أن ذلك سيؤدي إلى عملية دمج «واضمحلال» تدريجي بحلول 2023 لسلكين تاريخيين في الخارجية الفرنسية وهم: السفراء فوق العادة ومستشارو الشؤون الخارجية.ويرى الكثير منهم أن ذلك يعني «نهاية الدبلوماسية المحترفة» في فرنسا التي تملك ثالث شبكة عالمية بعد الولايات المتحدة والصين.ودعت 6 نقابات وتجمع يضم 500 دبلوماسي شاب إلى إضراب غداً، في حركة نادرة الحدوث بتاريخ وزارة الخارجية الفرنسية، إذ يعود آخر إضراب إلى عام 2003. ويقول أوليفيه دا سيلفا مسؤول نقابة الكوادر CFTC «لم تشهد وزارة الخارجية الفرنسية في تاريخها الكثير من حركات المعارضة».وفي خطوة تعكس حجم التململ، أعلن عشرات الدبلوماسيين الكبار في الأيام الأخيرة عبر «تويتر»، مشاركتهم أو دعمهم للإضراب. وكتبت سفيرة فرنسا في الكويت كلير لوفليشيه في تغريدة: «سأضرب في الثاني من يونيو احتجاجا على إصلاح السلك الدبلوماسي والخفض المتواصل للوسائل المتاحة للأوساط الدبلوماسية»، فيما رأت زميلتها في سلطنة عمان فيرونيك آلونيون أنه «لا يمكن استبدال الدبلوماسيين».وملخّصاً الشعور العام، كتب سفير فرنسا في أذربيجان زاكاري غروس: «الدبلوماسيون الفرنسيون متفانون بالكامل، إلا انهم مرهقون ولا يتلقون أجورا لائقة ولا تتوافر لهم التجهيزات المناسبة».ويفيد الداعون إلى الإضراب بأن هذا الإصلاح سيؤدي إلى «تعيينات مسايرة وتفكك المسيرة المهنية وأزمة في إيجاد مرشحين في الأوساط الدبلوماسية». وأعرب 500 دبلوماسي، شكلوا تجمعا في مقال نشرته قبل فترة قصيرة صحيفة «لوموند»، عن قلقهم من «خفض هائل في الوسائل (إلغاء 50% من الموظفين في غضون 30 عاما) و»عقود من تهميش دور الوزارة ضمن الدولة».وتقليديا، تعتبر الدبلوماسية من اختصاص رئيس البلاد لكن هذا التوجه بارز أكثر في عهد ماكرون. ولم يوفر رئيس البلاد الدبلوماسيين وانتقد أمامهم في عام 2019 وجود «دولة عميقة» في وزارة الخارجية.وقال سفير في هذا التجمع طالباً عدم كشف اسمه «صيت الدبلوماسيين سيئ مع أنهم في الواقع موظفون متمسكون جدا بالإدارة الجمهورية». ويضيف: «نريد أداة دبلوماسية تسمح لفرنسا بالمحافظة على موقعها. لكن لدينا الانطباع بأنه يتم التقليل من شأننا وأننا لا نزود الوسائل الضرورية. ما هي انجازات الدبلوماسية الفرنسية منذ مؤتمر الأطراف حول المناخ في 2015؟ لا شيء».وتؤكد الوزارة التي عينت على رأسها كاترين كولونا، وهي دبلوماسية من السلك والتي فسر تعيينها على أنه «رسالة» حيال الموظفين، أنها «أقامت حوارا نوعيا» مع كل النقابات.إلا أن مصدراً مطلعاً على الملف يقرّ بوجود «قلق فعلي وبإرهاق في صفوف الموظفين» مشددا على أن التحرك هذا يأتي في «ظل ظروف صعبة جداً» بعد وباء مستمر منذ اكثر من سنتين وأزمات متتالية وعمليات الإجلاء من كابول بعد سيطرة حركة «طالبان» في اغسطس 2021 مرورا بالحرب على أوكرانيا وأزمة مالي.يضاف إلى ذلك ان المعالم المبهمة حتى الآن لإصلاح الوظيفة العامة العليا لا تسمح بتوفير إجابات للدبلوماسيين القلقين الذين يريدون «ضمانات متينة» حسبما يؤكد المصدر نفسه.وتظهر أرقام رسمية أن 13500 شخص بعقود مختلفة يعملون في وزارة الخارجية الفرنسية.