عزيزة البسام... امرأة من زمن العطاء
عندما بلغني خبر وفاة عزيزة البسام، كان ذلك مدعاة لاستدراج شريط ذكريات يمتد عشرات السنين، فقد كانت معطاءة للناس بلا حدود. ولفت انتباهي في إعلان خبر وفاتها التركيز على تأسيسها أول مكتبة نسائية عامة بالكويت، ورغم أن ذلك إنجاز يُحسب لها، فإنه كان نقطة في بحر نشاطها وسعيها في أفقها الإنساني الواسع بمحيطيه الكويتي والعربي، منذ أن كانت مشرفة على شؤون الطالبات بمصر، إلى أن دخلت العمل العام من أوسع أبوابه، فلن تجد نشاطاً فيه خير للناس، إلا وجدت عزيزة حاضرة فيه، بعطاء لا متناهٍ، وإصرار على التفاني والإنجاز.عانت عزيزة الكثير من المضايقات والإنكار من بعض الجهات، إلا أنها استمرت بنفس الوتيرة، ولم تتوقف بل زاد عملها، عبر جمعيات النفع العام وخصوصاً رابطة الاجتماعيين، وكانت دائماً تردد "بلادي وإن جارت عليّ عزيزة" لتلتقط الملحوظة لتؤكد أنني وبلادي نحمل الاسم ذاته.
خلال الغزو العراقي في صيف 1990، كانت كعادتها مثابرة ومتحركة في التصدي للعدوان بأشكاله المختلفة، وقد عملنا معاً في تلك الفترة بمهمات متباينة، رغم خطورة الموقف، ولكنها كانت كما هي أيقونة وطنية، ورمزاً مهماً من رموز هذا الوطن، وهم كثر ولله الحمد. عندما كتبت تجربتها في الغزو وضمنتها في كتاب، وكان إضافة صادقة لما جرى خلال تلك الأيام الصعبة، سألتُها عن سبب عدم ذكرها العديد من المواقف التي عايشناها معاً أثناء الغزو، فكان ردها، بدماثتها المعهودة، خشيت أن يُساء فهمي، بمحاولتي تعظيم نفسي، في حين أن هناك كثيرين قدموا حياتهم فداءً للوطن. هكذا كانت عزيزة، عزيزة نفس، معطاءة لوطنها ومحيطها بلا حدود، على مستوى وطنها الصغير، وعلى مستوى وطنها العربي، وعلى المستوى الإنساني.يقيناً برحيل عزيزة البسام فقد الوطن أيقونة من أيقونات العطاء دون رياء، في زمن كُثر فيه الأخّاذون.رحم الله العزيزة عزيزة البسام، وأسكنها فسيح جناته، وألهم أهلها ومحبيها، ونحن منهم، الصبر والسلوان.