في أحدث حلقات التوتر المتصاعد بين أكبر قوتين في العالم، والذي شمل جزر المحيط الهادئ، بدأت الولايات المتحدة محادثات تجارية ثنائية مع تايوان، في وقت نفذت الصين دورية قتالية واسعة في أجواء ومياه الجزيرة الإقليمية.وفي تحدٍّ كبير للصين، التي تعتبر تايوان إحدى مقاطعاتها وترفض السماح لها بإقامة علاقات رسمية مع دول أجنبية، أعلنت ممثلة التجارة الأميركية، في بيان أمس، إطلاق نائبتها سارة بيانكي والوزير التايواني جون دينغ خلال لقاء عبر الانترنت، «مبادرة التجارة الأميركية- التايوانية للقرن الحادي والعشرين»، بهدف تطوير طرق ملموسة لتعميق علاقاتهما الاقتصادية والتجارية.
وبعد يومين من تنفيذه ثاني أكبر توغل في منطقة الدفاع الجوي لتايوان هذا العام، أعلن الجيش الصيني أمس إجراءه «دورية استعداد» قتالي في البحار والمجال الجوي حول الجزيرة في الأيام الأخيرة، مؤكداً أن ذلك كان إجراءً ضرورياً للرد على «التواطؤ» بين واشنطن وتايبيه.وقالت قيادة المنطقة الشرقية لجيش التحرير الشعبي الصيني، في بيان: «اتخذت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة تحركات متكررة بشأن قضية تايوان، تقول شيئاً وتفعل شيئا آخر، محرضة على دعم القوى المؤيدة لاستقلالها، الأمر الذي سيدفع الجزيرة إلى وضع خطير».ولم يذكر البيان موعدا محددا لإجراء التدريبات، غير أن وزارة الدفاع التايوانية أبلغت، الاثنين الماضي، عن أكبر توغل للقوات الجوية الصينية منذ يناير في منطقة الدفاع الجوي التابعة لها، مبينة أنها أرسلت مقاتلات لتحذير 30 طائرة صينية للابتعاد. وأثار الرئيس الأميركي جو بايدن غضب الصين الأسبوع الماضي عندما بدا كأنه يشير إلى تغيير في سياسة «الغموض الاستراتيجي» بشأن تايوان بقوله، إنه سيتدخل عسكرياً إذا هاجمت الصين الجزيرة.
أميركا و«الهادئ»
وفي موازاة ذلك، تعهّدت الولايات المتحدة بدعم دول المحيط الهادئ التي رفضت إبرام اتفاقات أمنية مع الصين، معتبرة أنّ ممارسات بكين تعكس مدى «عدم شفافية» ما تطرحه.وجدّد المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس التأكيد على أن واشنطن على غرار أستراليا أعربت بكل وضوح عن هواجسها في ما يتعلق بعرض الصين مقترحاً «غامضاً» خلال محادثاتها مع الدول الجزرية في المحيط الهادئ، مشددة على أن قادة المنطقة اتّخذوا «خياراتهم السيادية الخاصة بهم». وتابع برايس: «نحن ملتزمون مواصلة ترسيخ علاقاتنا مع جزر المحيط الهادئ الشريكة لنا وشركائنا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بما في ذلك العمل معا لتحقيق تطلعات شعوبنا».وسلّط الضوء على هواجس أثارها صحافيون في فيجي وساموا وجزر سليمان تولّوا تغطية زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي بما في ذلك منعهم من طرح أسئلة.وقال برايس: «بالحديث عن هذه الاتفاقات المبهمة والغامضة أعتقد أنّ كلّ ما عليك النظر إليه هو جهود الصين للتعتيم على هذه الصفقات بالذات، ذهابها بعيداً إلى حدّ منع مسؤولين في المنطقة من التصريح للصحافيين في بلدانهم».جزر سليمان
وفي بيان مشترك عقب اجتماع الرئيس جو بايدن مع رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن في البيت الأبيض، أعربت الولايات المتحدة ونيويلندا عن القلق من الاتفاقية الأمنية الموقعة بين الصين وجزر سليمان، كما أكدا «أهمية السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان وتشجيع الحل السلمي لكل القضايا».وذكر البيان أن «إنشاء وجود عسكري دائم في المحيط الهادئ من قبل دولة لا تشاركنا قيمنا أو مصالحنا الأمنية من شأنه أن يغير بشكل أساسي التوازن الاستراتيجي للمنطقة ويشكل مخاوف على الأمن القومي»، مضيفاً: «منطقة المحيطين الهندي والهادئ تكون أكثر حرية وانفتاحا عندما تعتمد الحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد في المجال البحري». وشدد البلدان على أنه «تحقيقا لهذه الغاية فإننا نؤكد من جديد دعمنا لحرية الملاحة والتحليق الجوي في بحر الصين الجنوبي وما وراءه وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وبالتالي فإننا نعارض الادعاءات والأنشطة البحرية غير القانونية في بحر الصين الجنوبي والتي تتعارض مع النظام الدولي».واعتبرت الخارجية الصينية أن بيان بايدن وجاسيندا، الذي عبرا فيه عن «قلق بالغ» بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ وتآكل الحريات في هونغ كونغ، فيه تشويه لسمعة بكين ويتدخل بشكل خطير في الشؤون الداخلية، مشددة على أن تايوان وشينجيانغ وهونغ كونغ تمثل شؤوناً داخلية للصين.تعاون العصر
في غضون ذلك، ذكر وزير الخارجية الصيني وانغ يي، خلال كلمته عبر الفيديو في مؤتمر «روسيا والصين: تعاون العصر الجديد»، أنّ «الأمن العالمي غير قابل للتجزئة. ولا ينبغي لأي دولة أن تتابع أمنها على حساب أمن الدول الأخرى. ولا يمكن ولا يجب ضمان الأمن الدولي والإقليمي من خلال تعزيز الكتل العسكرية وبناء ستارة حديدية وقطع سلاسل التوريد».وأكد وانغ في المؤتمر الافتراضي، الذي حضره نظيره الروسي سيرغي لافروف، أنّ الطريق إلى الأمن يكمن من خلال التعاون متبادل المنفعة، واحترام المخاوف الأمنية للدول الأخرى، مبدياً استعداد الصين للعمل مع روسيا في الدفع من أجل «ديموقراطية حقيقية» قائمة على شروط الدولتين.بدوره، شدد سفير روسيا لدى الصين أندريه دينيسوف، على أنّ «هناك محاولات لدق إسفين في العلاقات، وهناك ضغوط خارجية خطيرة ووقحة على بكين»، التي رفضت إدانة العملية العسكرية في أوكرانيا.وبعد كشف الفلبين عن استدعائها دبلوماسياً صينياً احتجاجاً على استمرار انتهاك سلطتها على المياه الإقليمية من قبل خفر السواحل في بكين وحظرها من جانب واحد الصيد في البحر الجنوبي، اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان أن هذه الشكاوى غير مبررة، مؤكداً أن تعليق أنشطة الصيد في الصيف طبيعي، وأن بكين تفي بالتزاماتها الدولية.