بحكم التخصص الدقيق فإنني لا أرى أن النفايات (بشكل عام) أو النفايات الصلبة (بشكل خاص) عبءٌ على كاهل الدولة أو مصدر إزعاج؛ إلا إن أسيئت إدارتها لتتحول إلى مصدر تلوث مزعج ومضر وجب تثمينه والتخلص منه بالشكل الصحيح، ولعل أولى تلك المراحل التي تجمع عدداً من التقنيات المتطورة في استخلاص النفيس من الخسيس هو معرفة نوع ومصدر تلك النفاية، والتعامل الصحيح إزاءها، وهذا حتماً هو بيت القصيد، وما نفتقر له هنا في الكويت، فكل نوع من النفايات يقع تحت مسؤولية جهة ما، ولا يوجد تنسيق حقيقي على الأرض ولا تضافر للجهود في تثمينها بغية الوصول إلى هدف مشترك تحت رعاية الدولة ولفائدة المواطن والمقيم على هذه البقعة الصحراوية من الكوكب التي ستنضب عنها الموارد النفطية وتعود إلى العصر الحجري إذا لم نتدارك الأمر سريعاً.

ولعله مفيد أن يعرج المرء على موضوع يستحق الذكر والتذكير (بل التنبيه) ألا وهو ضياع الأموال والفرص الحقيقية من استغلال نفاياتنا الإلكترونية في الكويت وبشكل صحيح، فالكويت من أكثر الدول المنتجة للنفايات الإلكترونية، بحيث يصل إنتاج الفرد الواحد إلى ما يفوق 17 كغم سنوياً، وهو رقم كبير جداً حين يتم وضعه في مقياس حجم الدولة، وكذلك عدد سكانها المتناهي الصغر، وهذا بطبيعة الحال مؤشر إلى حقيقة طبيعة المجتمع الاستهلاكية إزاء العديد من الإلكترونيات والسلع التي ينتهي بها المطاف كنفاية في ظل غياب بنية تحتية للتعامل الأمثل معها، وقد يأتي تساؤل هنا عن موقع الكويت بين الدول المنتجة للنفايات الإلكترونية، وكمية النفايات الإلكترونية على مستوى العالم ككل؟!

Ad

على مستوى العالم فإن النرويج هي الأعلى إنتاجاً لهذا النوع من النفايات بمعدل يساوي 26 كغم للفرد سنوياً، لكن على مستوى الدول ككل فإن جمهورية الصين هي الأعلى من حيث الكم بحيث تنتج ما يفوق الـ10 ملايين طن سنوياً بمقدار 7 كغم للفرد، وهذه الأرقام جد منطقية حين تجد وتتفقد طبيعة الشعوب الاستهلاكية (خاصة للإلكترونيات) التي عادة ما تتزايد باتجاه البوصلة يساراً! الشاهد من هذا كله هو ما تفعله كل هذه الدول بحيث تتغلب على مشاكل فصل وعزل هذا النوع من النفايات الصلبة، والتي تفوق الخمسين مليون طن كمعدل إنتاج على مستوى العالم مشكّلة 5% من إجماليها!

فصل وتجميع النفايات الإلكترونية في الكويت، حيث يتزايد استهلاك الهواتف المحمولة والحواسيب الآلية بمعدلات مهولة كل سنة، هو في واقع الحال حل ناجع ومفيد وذو جدوى اقتصادية ملموسة، بحيث يمكن عزل الزجاج والبلاستيك والمعادن الثمينة كل على حدة، وعلى ضوئها قد تكون لدينا صناعة وطنية تخلق فرصاً وظيفية حقيقية تعود على المجتمع والاقتصاد والبيئة بفائدة مباشرةً، لكن أين نحن من هذا كله؟! وأين دور الحكومة في وضع القوانين الصارمة للتحكم في هذه النفايات؟!

والأهم، لا يستقيم إعطاء الموضوع للقطاع الخاص، وهكذا دون عوائد على الدولة والمواطن لتكتمل سلسلة المواطنة البيئية السليمة، فلا يستقيم أن تكون عوائد هذه الموارد المتجددة كالنفايات إلا للمواطن والمجتمع نصيب الأسد فيها، أوليس كذلك؟!

على الهامش:

حين نتخلص من «الصدفة البيولوجية» كمعيار لاختيار القيادات سنتمكن من المضي قدماً بحق.

د. سلطان ماجد السالم