التوازن الدستوري والرضائية

نشر في 02-06-2022
آخر تحديث 02-06-2022 | 00:19
 محمد المقاطع البناء التاريخي للنظام السياسي الكويتي أُسِّس على فكرة جوهرية تَوافق عليها أهل الكويت، وهي الرضائية واقتسام السلطة بين الأسرة الحاكمة والشعب.

لم تكن الرضائية فكرة طارئة وإنما ركيزة لبناء الدولة، وهو ما تلمس معه متانتها والتمسك المستمر بها والتذكير بعمقها لكونها جوهر العقد الاجتماعي الذي التقت على أساسه إرادة الطرفين.

ويدرك من يتعقب تطور الفكر السياسي لنظام الحكم في الكويت وأبعاده الدستورية، تكريس هذه الرضائية والمشاركة في اقتسام السلطة عبر المراحل التاريخية للكويت منذ تأسيسها عام 1756 وحتى يومنا الحاضر، رغم ما مرت به من عثرات وممارسات خرجت عن هذا السياق، في فترات استثنائية كان لها دائما إسقاطات سلبية، وورّثت تجاذبات وتوتراً وأجواء من عدم الثقة المتبادل.

فقد كانت المرجعية الدائمة هي التذكير بثوابت الرضائية التي هي قوام الدولة ومصدر قوتها ومناعتها في مواجهة عاديات الدهر، وهي أساس الاستقرار الذي تنعم به الأسرة من جهة والشعب من جهة أخرى بتوازن فريد.

وقد أبرزت المحورية الرضائية، بثوابتها الوطنية، في كتابي عام 2004 "في ظل الدستور العرفي للكويت 1756 وحتى 1920"، ثم بأحكام أول وثيقة دستورية مكتوبة عام 1921، بل انعكست في دستور عام 1938، الذي انتقل بالكويت إلى حكومة "الجمعية" في نطاق ملكية دستورية، وتم تعزيزها بمسودة دستور 1938، وبعد حل البرلمان آنذاك وغلبة تفرد الأسرة بالسلطة لفترة وجيزة، سرعان ما عاد المسار الرضائي، نظراً لوخامة عواقب التفرد بالسلطة، وهو ما مهد لتعزيز ذلك بتولي الشيخ عبدالله السالم الحكم، فكانت فترة الخمسينيات مخاضاً لتأكيد ذلك المسار الرضائي، بصدور دستور 11/11/ 1962 بنقلة حديثة في تكريس هذه الرضائية الفريدة، وهو ما نطقت به ديباجة الدستور، وما عبرت عنه المادتان 4 و6 من الدستور، فحفظت للأسرة مرجعيتها، ومنح الشعب سلطة المرجعية في إدارة شؤون الدولة.

وعلى الرغم من كل ذلك فقد شهد تطور التاريخ السياسي ممارسات كانت تخرج عن هذا السياق، ولَم تجن الكويت بسبب إهدار الرضائية والتزام مبادئ اقتسام السلطة، إلا أحوالاً سلبية وتراجعاً مريعاً في مسار الدولة وتجاذبات تنال من الثقة، ومن ثم كانت دائماً العودة لثوابت التوازن الفريد في الرضائية والمشاركة، على أساس الدستور والمادتين 4، و6، هي طوق النجاة للكويت، وهو ما التقت عليه إرادة الأسرة والشعب في مؤتمر جدة، وما تلته من خطوات مهمة لاحقاً.

ولذا فإننا لا بد من أن نؤكد اليوم وبشكل مُلح جوهرية هذه الرضائية والمشاركة، بعيداً عن الاستجابة لدعوات التفرد، حتى نعزز من قوة بلدنا ومناعته.

محمد المقاطع

back to top