فحص الأهلية
لا بد أن تحرقك غصة كلما هممت بالحديث عن شيء آلمك في طفولتك، بأن هناك شيئا غُرس في ذاكرتك لا تدري سبيل الخلاص منه، فلطالما أخبرونا أن الطفولة كالطين يسهل تشكيلها، لكنهم لم يعرفوا فن التشكيل، لذلك نجد أن أقصى همومنا جاءت من طفولة شوهها الكبار! وللأسف تلك الخدوش تبدو صغيرة جدا في عيون الوالدين؛ لذلك يكررون جملة «يكبر وينسى».الواقع أنه لا ينسى، بل يكبر حتى يصبح كابوسا يدفعه للبحث عن طبيب نفسي متمرس، أو ربما يظل عالقا في الماضي ويبني حياته ومستقبله على جرح قديم غائر لم يندمل بعد، كمن لا يثق بأحد، ولو بحثنا عن مصائب الناس لعرفنا أن السر يكمن في حقبة طفولته، أو شيئا ما بعثره صغيرا وظل قابعا في ذهنه يسيره تلقائيا.
ألم تتساءل يوما: لِم لا تنسى تلك الأحداث التي هزتك في طفولتك؟ لأن الطفل كالطين لين رقيق، خلق بفطرة بريئة صرفة، لذلك لا يستوعب الشر الذي يمارسه الكبار من حوله، ولا يعي سبب خلافك مع شخص، ولا يفهم امتعاضك وتجهمك، فتلك الأشياء الصغيرة جدا في نظرك كفيلة أن تغير حياة الصغار للأبد، وهذا الأمر جعلني أفكر بشيء عله يكون سببا في الحد من الشخصيات «السايكو» المنتشرة.فلِم لا يعاد النظر في نوعية الفحص المتبع قبل الزواج للمقبلين عليه باجتياز اختبار الصحة العقلية، لمعرفة مدى أهليتهم للإنجاب والتربية؟ وأن عليهم أن يعالجوا مكامن الصدمات النفسية التي ترسبت داخلهم من جراء ماضٍ أرعن شوه استقرارهم النفسي؟ وأن يكونوا أصحاء نفسيا قبل أي شيء آخر، فالنفسيات تورث كما الحقد والكره والحسد؟ وكم من أبناءٍ تربوا على كره أقاربهم دون سبب! وكم منهم دفعوا ثمن نفور أهلهم منهم دون ذنب منهم! فرمموا كسركم قبل أن تكسروا أرواحا لا ذنب لها.