التخمين في دولة السماري
مجرد التخمين عن مستقبل الوضع السياسي للدولة، بما يعني ما إذا كانت هناك نوايا سلطوية لتعليق الدستور من عدمه، هو بحد ذاته يشي بأن كل الخطاب الاجتراري عن الدستور والديموقراطية وفصل السلطات ليس له مكان، فالدولة المستقرة دستورياً لا مكان فيها لمثل هذا التخمين والهواجس عن التعليق والحل اللادستوري.مضى الآن شهران من غير حكومة ثابتة، وبالتبعية لا مجلس ينعقد، حكومة تسيير العاجل من الأمور يمكن أن تستغرق عمر الدولة وتبقى الحالة ماشية «سماري» فمن يكترث اليوم - إذا استبعدنا النخب والتجمعات السياسية - لوجود حكومة العاجل من الأمور أو الخامل منها؟ فكل المسألة «صابون» في الثقافة العامة، وهي ثقافة غارقة بهمومها وقضاياها اليومية، مثل الأزمة السكنية وغلاء أسعار الأراضي، وهذه هموم ضخمة مبررة بسبب لا مبالاة السلطة نحوها، وهناك هموم أصغر مثل أسعار سمك الزبيدي أو منحة الثلاثة آلاف دينار للمتقاعدين، والأخيرة يبدو أن السلطة تخبئها لمفاجأة استرضائية للناس فيما لو قررت تعليق الدستور.
دعونا نقرر بأننا يقيناً نراوح في مستنقع التخمين والقرار النهائي هو بيد أصحاب الأمر والنهي، الذين يرون أن الأمور تجاوزت حدودها، ولا يمكن الصبر عليها في قضايا المساءلة السياسية والاستجوابات وغياب الإصلاح الاقتصادي، طبيعي كلمة الإصلاح مثل الثقوب السوداء الكونية تتسع وتمتص كل ما يقترب منها ويدخل بالتالي في عالم مجهول - فهل يعني الإصلاح الخصخصة دون حدود كما يفكر أهل اليمين، أم يعني خصخصة بعض الأنشطة دون غيرها، أم أنه إصلاح المرفق العام المتكلس ببيروقراطيته واتكاليته الريعية كما يقول أهل اليسار؟ مسألة محيرة، لا بد أن أهل البخاصة محتارون فيها، هذا إذا كنا متفائلين بأن الحيرة والتفكير بالقضية نقطة إيجابية للسلطة، فهذا يعني أنها تفكر وتقلق، وهذا أضعف الإيمان.كيف ستنتهي الأمور، لا نعلم، وما دمنا لا نعلم، ولا توجد إرادة شعبية تحسم وتستبعد حالة «التخمين»، فلنقر عندها أنه لا توجد ديموقراطية ولا دستور حقيقي ولا ديموقراطيون جديون يؤمنون بالرأي الآخر وبحقوق الأقلية وحقوق الإنسان كما يمليها الفكر العقلاني، ونحن نحيا بحالة من الضياع، وليس لنا غير أن نشكر القدر على صدفة البترول وتضخم أسعاره اليوم، فلولاه لبدت عورات مدمرة لإدارة هذا البلد السائر في عالم المجهول.