بعد عقدٍ مضطرب وشائك من الحملات السياسية المرتبطة بالتداعيات الأمنية المحتملة لتوسيع خدمات الشحن اللوجستية إلى الصين، من المتوقع أن تنهي منغوليا ثلاثة خطوط سكك حديد أساسية بحلول نهاية هذه السنة، وستؤثر هذه التطورات بشدة على أسواق السلع، مما يسمح للصين وروسيا بإطلاق عمليات تجارية داخلية، لا سيما في مجال المواد الخام التي تُشحَن بكميات هائلة، مثل الفحم والمعادن، مما يجعل البلدَين أكثر أماناً في قطاع الطاقة وأقل عرضة للضغوط المرافقة للعقوبات.نظراً إلى موقع منغوليا غير الساحلي، يحتاج اقتصاد البلد طبيعياً إلى روابط استراتيجية وموانئ تجارية مع الدول المجاورة له، ففي الوقت الراهن، تتقاسم منغوليا 13 ميناءً تجارياً مع الصين ويُصدّر معظمها الفحم وخام الحديد والنحاس المُركّز، وطوال عقود كانت منغوليا تتكل على أنظمة سكك حديد وطرقات سريعة سوفياتية قديمة، فتستعمل الشاحنات لإتمام معظم عملياتها التجارية المكثّفة، وحتى الآن، لا تزال منغوليا بعيدة عن الاستفادة من كامل قدراتها التصديرية بسبب القيود الكبرى في بنيتها التحتية.
لكن بدأت منغوليا منذ عام 2009 تحرز تقدماً واضحاً لتحسين بنيتها التحتية المحلية، وأثّرت هذه الأهداف بقوة في الجهود المحلية الرامية إلى تنويع اقتصاد البلد القائم على التعدين، وبين العامين 2016 و2020، تمكنت الحكومة المنغولية من بناء نظام للطرقات السريعة يربط جميع المحافظات الإحدى والعشرين بالعاصمة أولان باتور.وفي محاولة لزيادة صادرات منغوليا، مررت الحكومة في شهر مارس قراراً يقضي بإطلاق مشروع بناء سكك حديد «شويبالسان–خوت» و«خوت–بيشيجت» الذي تأخّر تنفيذه مراراً، وأصبحت هذه السكك قيد النقاش منذ 2013، ولتسريع بنائها، أعلن نظام المشتريات العامة في منغوليا إجراء مناقصة خاصة بمشروع سكة حديد «شويبالسان– خوت» الضخم.في الوقت نفسه، يمكن اعتبار توسّع سكك الحديد في منغوليا نموذجاً مصغراً عن خطط البنى التحتية الراهنة بين الصين وروسيا، ومن المتوقع أن تنتهي أول سكة حديد عابرة للحدود بين البلدين في أغسطس، لكن هذا الترابط بين روسيا والصين في مجال الطاقة يكشف نقاط ضعف منغوليا في القطاع نفسه، وهذا ما يفسّر ضرورة أن تشارك منغوليا في هذه المشاريع التنموية الكبرى لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.رداً على التعاون الصيني الروسي في مجال الطاقة، وقّعت منغوليا على مذكرة تفاهم في 2019، تلاها اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التنفيذي لشركة «غازبروم»، ألكسي ميلر، حيث أعلن بوتين أن روسيا لا تريد تحقيق أي أهداف سياسية عبر هذا المشروع، وقد تؤثر خطة توسيع البنى التحتية على قطاع الطاقة في شمال شرق آسيا، لكن يصعب أن ينتهي المشروع بحلول 2025، إذا استمر الصراع الروسي الأوكراني والعقوبات التي تمنع إرسال المعدات الأساسية.في غضون ذلك زادت التحديات التي تواجهها منغوليا بسبب أزمة كورونا المطوّلة والسياسات الصينية التقييدية المرتبطة بالوباء، واليوم لا تعمل إلا خمسة موانئ تجارية فقط، وبحسب معطيات وزارة التعدين والصناعات الثقيلة، صدّرت منغوليا 300 حاوية من الفحم، بين 15 و21 أبريل.لا مفر من أن يتأثر اتكال الصين على مصادر المواد المنقولة بحراً ورأيها بالأمن البحري في ظل هذه الظروف، وقد تقرر الصين خوض معركة طويلة وشاقة في أي صراع محتمل مع تايوان إذا لم تواجه أي قيود في مجال استيراد المواد الغذائية أو مصادر الطاقة بفضل الإمدادات الآتية من روسيا ومنغوليا، وفي المقابل ستبقى تايوان بحاجة إلى خدمات لوجستية بحرية للحفاظ على فاعلية شبكتها الكهربائية وإطعام شعبها.في النهاية، يثبت تكثيف التعاون بين الصين وروسيا في مجال البنى التحتية أن التجارة بين الدول والمناطق التي تحمل مصالح جيوسياسية مشتركة بدأت تتوسّع، مقابل تراجع الشراكات بين الأطراف التي تختلف من حيث القيم والمصالح، وقد تكون منغوليا دولة ديموقراطية، لكنّ موقعها الجغرافي بدأ يُحوّلها منذ الآن إلى نقطة عبور أساسية لهذه الممرات التجارية الاستبدادية الجديدة. *بولور لخاجاف وأليكس تيرنبول
مقالات
منغوليا تتجه لتزويد روسيا والصين بالإمدادات عبر سكك الحديد
05-06-2022