في إشارة واضحة لاكتشاف مخطط جديد لتصفيته، كشف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، اليوم، عن سبب انسحابه المفاجئ أثناء إلقائه كلمة لأنصاره في ذكرى اغتيال والده محمد الصدر وشقيقيه مؤمّل ومصطفى في تسعينيات القرن الماضي، موضحاً أن قراره السريع كان «لاستمرار حياته وخدمة أنصاره وحفاظاً على سلامتهم».

وفي بيان قدّم فيه اعتذاره لأنصاره عن قطع خطابه، قال الصدر: «بكلّ صدق ومحبّة أقول لكلّ من أحيا الذكرى السنويّة في داخل العراق وخارجه حيّاكم الله والشكر لكم من الله على هذا الإخلاص والمحبّة والعاطفة لصاحب الذكرى ونجليه ولي: أنا العبد الفقير المحتاج لرحمة ربّه… ولآل الصدر الكرام».

Ad

وأضاف الصدر: «أقدّم اعتذاري عن الانسحاب من بينكم أثناء إلقاء الكلمة حفاظاً على سلامتكم أولاً. ولكي تستمرّ حياتي في خدمتكم ثانياً، كما لم يشأ الله أن أكون في سيارة السيّد الوالد وإخوتي في يوم الاستشهاد». وختم بيانه بالقول: «أسألكم الدعاء لي بنيل الشهادة لألتحق بركبهم»، قاصداً بذلك والده وشقيقيه.

وقطع زعيم التيار الصدري خطاباً وجهه أمس ، إلى أتباعه في داخل وخارج العراق لإحياء ذكرى رحيل والده الذي اغتاله نظام حزب البعث مع نجليه في تسعينيات القرن الماضي. وبدا غاضباً من اتباعه لعدم التزامهم الهدوء خلال كلمته ما دفعه إلى ترك المنصة والخروج.

وقال الصدر في بداية خطابه، «من قتل الوالد ونجليه هو البعث الصدامي بأمر من صدام حسين». وطلب من اتباعه بعدها ترديد «خطاب كلا كلا لحزب البعث».

أوامر الاعتقال

ومع رسم المئات من المثقفين والناشطين المدنيين العراقيين صورة قاتمة لواقع حقوق الإنسان لاسيما حرية التعبير وتراجعها الملحوظ وتزايد أوامر الاعتقال الصادرة بحق أدباء وإعلاميين وأصحاب رأي، دعا مرشح التيار الصدري لتشكيل الحكومة الجديدة جعفر الصدر، اليوم، إلى إبعاد العراق عن سياسة المحاور في إطار دولة اتحادية دستورية وبرنامج تطرحه الأغلبية الوطنية.

وكان لافتاً نشر الصدر مقالا مطوّلا في صحيفة «الصباح» الحكومية بعد يوم من قطع التلفزيون الرسمي برنامجاً سياسياً ووقف مقدمه سعدون محسن ضمد وإصدار السلطات القضائية أمر توقيف بحق الكاتب والصحافي سرمد الطائي لانتقاده رئيس مجلس القضاء فائق زيدان والمرشد الإيراني علي خامنئي وقائد «فيلق القدس» الراحل قاسم سليماني.

وكتب الصدر، في مقاله اليوم، «إذا أردنا بناء الدولة استناداً إلى الدستور فلابد لنا من الحوار المجتمعي والاتفاق على أن يكون قرارنا عراقياً مستقلاً لا تابعاً، وأن نبتعد عن سياسة المحاور بتوافق مجتمعي وبالحوار والثقة المتبادلة على كل ما يعترض تطبيق الدستور من مشكلات ومعوقات وإخراج هذا الملف من المسامات السياسية الضيقة».

مرجعية الخارج

وشدد مرشح الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر وابن عمه على ضرورة التخلي عن «أي مرجعية خارج العراق وجعل الدولة هي المرجعية، نحميها وتحمينا بشعبها ودستورها ومؤسساتها، لتكون مرجعية وطنية يطبق القانون فيها على الجميع»، معتبراً أن «طرح الأغلبية الوطنية هو الآلية الأنسب لنجاح البرنامج الحكومي والطريق الأمثل لإدارة الدولة».

وطالب الدبلوماسي الذي يشغل منصب سفير العراق لدى المملكة المتحدة منذ أواخر عام 2019، بضرورة «حصر السلاح بيد الدولة وأن يكون لخدمة الوطن وخضوع القوات القوات الأمنية بكل مسمياتها لسلطة الدولة وائتمارها بأوامر القائد العام للقوات المسلحة وتحديد صلاحياتها وإعادة هيكلتها وتطويرها وأن يطبق القانون على الجميع دون استثناء».

كما دعا جعفر الصدر إلى محاربة «الفساد وإيقافه عبر آليات متخصصة وأن نختار ما بين الحكم الرشيد أو المؤسسات والبيروقراطية الفاسدة وتقليل الفوارق بين الشعب الواحد بكل الوسائل المتاحة وفق خطة اقتصادية متكاملة وبناء قطاع خاص فعال وإصلاح النظام الإداري والمالكي والنقدي».

ليلة طويلة

وبعد ليلة تحريض طويلة من الميليشيات والأحزاب الموالية لإيران على برنامج، «المحايد» الذي يقدمه ضمد واتهم فيه الطائي زيدان بالانحياز لحلفاء طهران وبالدكتاتورية في إصدار مذكرات اعتقال لأي معترض عليها، أصدر مئات المثقفين والناشطين المدنيين، بياناً مشتركاً حمل عنوان «دفاعاً عن حرية التعبير» أشاروا فيه إلى «انتهاكات» طالت الحريات المدنية، بالاستناد «إلى قوانين سُنّت في زمن النظام الشمولي السابق»، متهمين أطرافاً «بارزة تشغل مناصب عليا» بممارسة خروقات «تستهدف من ينتقدون الأداء العمومي بتبريرات مثل الإساءة لمؤسسات الدولة وإهانة القضاء والتطاول على الرموز وسوى ذلك، في وصف آراء تقع في صلب حرية التعبير التي كفلها الدستور».

ولم تتوقف الأمور عند حدود مذكرة التوقيف وإصدار رئيس مجلس القضاء بياناً شديد اللهجة اتهم مقدم البرنامج بأنه يمتلك «رأياً سلبياً ومتطرفاً»، وآخر نددت فيه المحكمة الاتحادية العليا بدوافع شخصية لإضعاف قيم القضاء وهدم أركانه، بل وصلت إلى تهديد الفصائل باستخدام طريقة «ربع الله»، في إشارة لسلسة حرق لمؤسسات إعلامية مناوئة للنفوذ الإيراني، من بينها حرق مكتب قناة mbc في مايو 2020.

واعتبر صحافيون ومدافعون عن الحريات إلى اعتبار موقف زيدان يمثل «نقلاً للقضاء من منطقة الحكم إلى طرف في النزاعات بقضايا حرية التعبير».