حظيت استراتيجية مجلس الاحتياطي الفدرالي الهادفة لكبح التضخم بدعم قوي من العديد من مسؤولي الاحتياطي الفدرالي، بما في ذلك كريستوفر والر وجيمس بولارد ولوريتا ميستر، الذين أكدوا نبرتهم المتشددة برفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الاجتماعات المقبلة. ووفق تقرير البنك الوطني، كشفت محاضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفدرالي في مايو الماضي، أن المسؤولين كانوا أكثر انفتاحاً تجاه الإجراءات التي يجب اتخاذها في سبتمبر، بناءً على أحدث تطورات التضخم.
بالإضافة إلى ذلك، وحسب تقرير أسواق النقد السبوعي الصادر عن بنك الكويت الوطني، بدأ خفض الميزانية العمومية البالغ قيمتها 8.9 تريليونات دولار رسمياً بمبلغ 15 مليار دولار من سندات الخزانة مستحقة السداد في 15 يونيو، ومن المتوقع أن يعزز ذلك الإجراء رفع سعر الفائدة. وفي ظل ظهور إشارات دالة على عدم هدوء وتيرة التضخم، قد يكون المسار بطيئاً للوصول إلى مستهدف الاحتياطي الفدرالي البالغ 2 في المئة، إذ ما يزال ضعف وضبابية توقعات النمو العالمي، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، من أبرز العوامل المعاكسة لتحقيق التقدم.وعاودت عوائد سندات الخزانة الأميركية ارتفاعاتها، في حين واصلت الأسهم خسائرها، إذ أدى تقرير الوظائف الذي جاء أفضل من المتوقع إلى إثارة المخاوف من احتمال تصاعد وتيرة تشديد الاحتياطي الفدرالي لسياساته النقدية وتصبح أكثر تقييداً، ووصل عائد السندات لأجل 10 سنوات إلى 2.93 في المئة، وعائد السندات لأجل عامين إلى 2.65 في المئة.وجاءت أحدث قراءة لمؤشر مديري المشتريات للقطاع الصناعي على النقيض من الاستطلاعات التي أجرتها بعض بنوك الاحتياطي الفدرالي الإقليمية في ولايات (نيويورك، وتكساس، وفيلادلفيا، وريتشموند) والتي أظهرت تراجعاً في نشاط المصانع بشدة في مايو الماضي مقارنة بالشهر السابق، إذ وصل مؤشر مديري المشتريات التصنيعي لشهر مايو في الولايات المتحدة 56.1 مقابل توقعات أن يصل إلى 54.5، ومقارنة بأبريل إذ بلغ 55.4 في ظل زخم الإنتاج والطلبات الجديدة والمخزون. وبلغت قراءة مؤشر مديري المشتريات لشهر مايو 55.9 مقابل 56.5 المتوقعة وقراءة أبريل البالغة 57.1. وعلى الرغم من كشف الدراسات الاستقصائية عن تراجع حدة ضغوط الأسعار هامشياً، فإن مشكلات سلسلة التوريد والأسعار ما زالت تمثل أبرز القضايا الجوهرية التي تثير مخاوف الشركات. وأشارت مجموعة أخرى قوية من بيانات التوظيف إلى تشديد أوضاع سوق العمل، مما يشير إلى استمرار ثقة الشركات من الطلب والآفاق الاقتصادية. وتصدرت الوظائف غير الزراعية التقديرات بإضافة 390 ألف وظيفة جديدة الشهر الماضي، بينما استقر معدل البطالة عند مستوى 3.6 في المئة، كما كان متوسط الأجر للساعة خلال مايو مستقراً هو الآخر، إذ ارتفع بنسبة 0.3 في المئة.
صمود الدولار
احتفظ الدولار بمرونته أمام العملات المنافسة بدعم من بيانات العمالة القوية، وتدابير الاحتياطي الفدرالي المتشددة، وارتفاع عائدات سندات الخزانة، وتراجع اليورو بعد وصوله إلى 1.0764 على خلفية اجراءات البنك المركزي المتشددة وبيانات التضخم ووصل إلى أدنى مستوياته عند مستوى 1.07 نقطة، لينهي تداولات الأسبوع مغلقاً عند 1.0722. واستسلم الجنيه الإسترليني للضغوط ووصل إلى مستوى 1.2492 في آخر تداولاته بعد أن لامس 1.2600 تقريباً، كما تراجع الين الياباني إلى أدنى مستوياته المسجلة وصولاً إلى 130.86، وانخفض الدولار الأسترالي وصولاً إلى 0.7208 رغم صدور بيانات الناتج المحلي الإجمالي التي جاءت أقوى من المتوقع، مع تزايد حالة الترقب قبل اجتماع بنك الاحتياطي الأسترالي الأسبوع المقبل.إطلاق عنان التضخم في أوروبا
تسارعت وتيرة التضخم في ألمانيا، أكبر اقتصاد على مستوى المنطقة، ليصل إلى 8.7 في المئة على أساس سنوي في مايو، بزيادة تفوق توقعات السوق ومن المستويات المسجلة في أبريل البالغة 7.8 في المئة، وقد ساهم ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية في ارتفاع الأسعار، إذ يتسبب استمرار مشكلات سلسلة التوريد المستمرة بالإضافة للحرب في أوكرانيا إلى تفاقم الضغوط على معدل التضخم الأساسي. وتواصل ضغوط الأسعار تزايدها بكل أنحاء اقتصاد الاتحاد الأوروبي، فقد تسارعت وتيرة التضخم في اسبانيا إلى 8.5 في المئة في أبريل مقابل 8.3في المئة في الشهر السابق على خلفية ارتفاع تكاليف الطاقة، وارتفع معدل التضخم الأساسي بنسبة 4.9 في المئة على أساس سنوي.ومع استمرار تسارع الصدمة التضخمية في أوروبا، تظل الاضطرابات التي تواجه تدفقات الغاز الروسي خطراً رئيسياً يهدد بنقص الامدادات، مما قد يدفع دولاً مثل ألمانيا إلى الركود، وقد أدى تأثير حرب أوكرانيا وارتفاع تكاليف الطاقة إلى قيام المفوضية الأوروبية بخفض توقعاتها لمعدل النمو الاقتصادي في عام 2022 إلى 2.7 في المئة مقابل 4.0 في المئة في وقت سابق.«المركزي» الأوروبي
مع اقتراب معدل التضخم من الوصول إلى أربعة أضعاف مستوى 2 في المئة المستهدف، يبدو أن مخاوف التضخم المستمر وتزايد توقعات استمرار ارتفاع التضخم قد تتغلب على مخاوف الدخول في حالة الركود مع تصاعد وتيرة التشديد النقدي وظهور مطالبات باتخاذ إجراء حيال ذلك. وأشارت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، إلى استعدادها لإقرار أول زيادة لسعر الفائدة منذ عام 2011 في يوليو المقبل، عقب الانتهاء من تسجيل صافي شراء لبرنامج شراء الأصول، لكنها شددت على أن التحركات اللاحقة لن تكون مشددة. وعارضت لاجارد التقييمات التي تفيد بأن الاتحاد الأوروبي يعاني نفس نوعية ضغوط التضخم التي تعانيها الولايات المتحدة، حتى في ظل ترسيخ تزايد معدلات تضخم الأسعار الأساسية.وقالت إنه نظراً إلى أن ارتفاع معدل التضخم في المنطقة يدفعه اختناقات العرض وليس بسبب الطلب، فإن البنك المركزي الأوروبي لن يتسرع في سحب برنامج التحفيز الاقتصادي، إلا ان اشتعال معدلات التضخم في منطقة اليورو أدى إلى زيادة الضغوط لبدء إعادة أسعار الفائدة إلى مستوياتها الاعتيادية بدءاً من اجتماع يوليو، مع إمكانية رفعها بما يصل إلى 50 نقطة أساس.أزمة اقتصادية
في ظل تراجع عدد حالات الإصابة المعلنة، خففت الصين بعض التدابير الصارمة بعد شهرين من الإغلاق. وكانت عواقب اتباع نهج «صفر كوفيد» خطيرة على الاقتصاد وتوقعاته، إذ سجلت بيانات التصنيع الأخيرة ضعفاً، لكنها أشارت إلى تحرك نحو ظروف تشغيلية أكثر استقراراً بكل أنحاء القطاع مع تباطؤ وتيرة الانكماش. ورغم ارتفاع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الصادر عن شركة Caixin من 46.0 والتي تعد ادنى مستوياته المسجلة في 26 شهراً في أبريل، إلى 48.1، فإن التراجع يستمر للشهر الثالث على التوالي. وأدت شدة التأخيرات في سلسلة التوريد، ومخاوف الحرب، والتعافي البطيء بعد الجائحة إلى تراجع ثقة الأعمال في مايو إلى أدنى مستوياتها في 5 أشهر، ويتوقع العديد من الاقتصاديين عدم تحقيق الحكومة المستوى المستهدف لنمو الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي بنحو 5.5 في المئة هذا العام.عمل بلا نتائج
وقام بنك الشعب الصيني بخفض سعر الفائدة الرئيسي للقروض طويلة الأجل بمقدار قياسي تخطى أكثر من 15 نقطة أساس إلى 4.45 في المئة مقابل 4.6 في المئة، فيما يعد أكبر وتيرة خفض لسعر الفائدة منذ عام 2019 سعياً لتعزيز الطلب، ومع امتلاء البنوك الصينية بالنقد الذي لا يرغب أحد في اقتراضه، تواجه السلطات مهمة شاقة لإقناع الشركات والمستهلكين بزيادة الاقتراض في الوقت الذي يؤدي استمرار عمليات الإغلاق لاحتواء تفشي فيروس «كوفيد 19» إلى سحق مستويات الثقة.بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الصين مجموعة واسعة من الإجراءات لدعم الشركات وتحفيز الطلب في الوقت الذي تسعى فيه إلى تعويض الضرر الناجم عن عمليات الإغلاق بما في ذلك زيادة الخصومات الضريبية التي تستهدف الشركات التي تبلغ قيمتها 140 مليار يوان صيني (21 مليار دولار)، والتي ساهمت بنحو 0.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للصين العام الماضي، كما أمرت الصين البنوك التابعة للدولة بإنشاء خط ائتمان بقيمة 800 مليار يوان (120 مليار دولار) لتمويل مشاريع البنية التحتية.استمرار البحث عن الذهب الأسود
في ظل أحدث العراقيل التي ظهرت مؤخراً على الساحة، أنهت أسعار النفط تداولات الأسبوع بمستوى أعلى نسبياً في أعقاب إعلان «أوبك» وحلفائها عن زيادة الإنتاج لشهري يوليو وأغسطس بمقدار 648 ألف برميل يومياً على أساس شهري، أي بزيادة تقارب 50 في المئة عن المعدل المتفق على زيادته خلال الأشهر العديدة الماضية. وفي سياق ذلك، نلحظ تباطؤ انتعاش الاقتصاد الصيني، وتقلبات توقعات الطلب، وفرض الاتحاد الأوروبي الحظر على النفط الروسي، والصراع القوي بين الدولار والعملات الرئيسية الأخرى وتأثير ذلك على الأسعار. وأنهى خام غرب تكساس الوسيط تداولات الأسبوع مغلقاً عند مستوى 118.87 دولارا للبرميل، في حين أنهى سعر مزيج خام برنت الأسبوع عند 119.72 دولارا.زيادة الضغوط بعد رفع سعر الفائدة في أستراليا
أكدت أحدث البيانات الاقتصادية الصادرة عن أستراليا رفع بنك الاحتياطي الاسترالي لأسعار الفائدة، فبعد النمو الهائل بنسبة 3.6 في المئة على أساس ربع سنوي في الربع الأول من عام 2021، تباطأت وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي الأسترالي، إذ ارتفع بنسبة 0.8 في المئة بالربع الأول من هذا العام وبنسبة 3.3 في المئة على أساس سنوي، وساهم الانفاق الاستهلاكي القوي في تعزيز النمو بوتيرة أعلى مما كان متوقعاً.وقد يعتبر بنك الاحتياطي الأسترالي ذلك الوضع تأكيداً لسلامة توجهاته المتشددة، ووفقاً لمحضر اجتماع السياسة النقدية الأخير، يرى الاحتياطي الأسترالي أنه: «نظراً لتزايد مخاطر التضخم والمستوى الحالي المنخفض للغاية لأسعار الفائدة، نرى وجود أسباب تدعو لزيادة سعر الفائدة بمقدار 40 نقطة أساس»، وتشير التوقعات إلى إمكانية رفع سعر الفائدة بمقدار 40 نقطة أساس في اجتماع الأسبوع المقبل، إذ يواصل الاحتياطي الأسترالي تركيزه على التضخم الذي وصل إلى 5.1 في المئة بالربع الأول من عام 2022، والذي يسير بوتيرة سريعة تصل إلى ضعف معدل نمو الأجور، خاصة في ظل تشديد أوضاع سوق العمل والتي تكاد تصل إلى التوظيف الكامل.