نظرة على قانون الجامعات الحكومية رقم 76/2019 (3 - 4)
تنشر «الجريدة» قراءة تحليلية للدكتور بدر العتيبي في قانون الجامعات الحكومية، عبر أربع حلقات، وفيما يلي الحلقة الثالثة:
الثاني عشر: الصلاحيات ولجنة التحقيق:تملك لجنة التحقيق الصلاحيات التالية:• كشف معلومات العضو المحال إلى التحقيق واستدعاء الشهود وسماع إفاداتهم (م/23 لائحة 2019)، وهنا تبدو صلاحية اللجنة مطلقة، فلم يتم حصر نطاق المعلومات المطلوب الكشف عنها بتلك المعلومات الضرورية للتحقيق.
• سماع الشهود وعرض الأدلة غيابيا (م/24 لائحة 2019)، حيث تملك لجنة التحقيق وفق تقديرها لمصلحة التحقيق أن تعرض الأدلة في غيبة العضو المحال إلى التحقيق، وبعدها يكون بإمكانه الرد عليها.• المعاينة، وهكذا تملك اللجنة صلاحية الانتقال ومعاينة المكان التي تراه ضروريا لظهور الحقيقة (نفس المادة).• الاستعانة بخبير فني، أو أكثر من داخل الجامعة (نفس المادة).• توسيع نطاق التحقيق، حتى يشمل أعضاء آخرين من الهيئة التدريسية، ذلك بعد أن يأخذ الوزير قرارا إضافيا بإحالة عضو آخر للتحقيق (م/26 لائحة 2019).ومن وجه نظرنا يمكن وصف هذه الصلاحيات بأنها صلاحيات واسعة جدا، يتجاوز بعضها الغاية من التحقيق، حيث إن كشف معلومات العضو بشكل مطلق قد لا يخدم التحقيق، وسيؤدي إلى التشهير بالعضو وانتهاك خصوصيته، كما أن عرض الأدلة بشكل غيابي يضر بمبادئ المواجهة مع الشهود والشفافية. لذا، تبدو ضرورة إلغاء هاتين الصلاحيتين من لجنة التحقيق. الثالث عشر: التعارض بين المسؤولية التأديبية والجزائية:• اكتشاف لجنة التحقيق لوقوع جريمة؛ ففي حالة اكتشاف لجنة التحقيق لإمكانية وصف المخالفة محل التحقيق بالجريمة، فهنا أقرت لائحة عام 2019 قاعدتين هامتين (م/28 لائحة 2019):• إحالة موضوع الواقعة إلى الوزير، بدلاً من إحالة الموضوع برمته إلى النيابة العامة حتى تنظر فيه.وفي الواقع ربما تفتح هذه القاعدة المجال لقرارات تحكمية بإحالة بعض الأعضاء أو استمرار التحقيق تأديبيا أو وقفه تجاه البعض الآخر.• مساءلة العضو تأديبيا رغم صدور حكم ببراءته جزائيا أو حفظ التحقيقات الجنائية، ذلك في حالة واحدة فقط، وهي عدم تأكيد الحكم الجزائي لصحة الواقعة، كأن يحكم القاضي الجزائي بالبراءة لعدم كفاية الأدلة ففي هذه الحالة يمكن للجنة استكمال التحقيق.أما إذا تأكد بموجب الحكم الجزائي أن الواقعة غير صحيحة، فلا يجوز استكمال التحقيق التأديبي.في الحقيقة، كان من الأفضل حسم موضوع التحقيق التأديبي بالتزامن مع نتيجة التحقيقات الجنائية، خصوصا في حال صدور حكم بالبراءة، احتراما لحجية الحكم الجزائي على قيام الواقعة محل التحقيق من عدمها.• إجراءات مجلس التأديب، في مواجهة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية. * المركز العلمي والاجتماعي لأعضاء الهيئة وفكرة التأديب:يحظى أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الحكومية باحترام وهيبة واسعتين بين فئات المجتمع، كما أن الوزارات يمكن أن تستعين بخبرتهم الاستشارية بغاية تحقيق المصلحة العامة، بدلاً من استقدام خبراء من الخارج. كما أن أعضاء الهيئة من حملة شهادة الدكتوراه، هم في معظمهم من المبتعثين للدراسة في الخارج على حساب الدولة، وهذا ما يعني أن البنيان العلمي والاجتماعي الراقي الذي وصلت إليه الهيئة الأكاديمية هو جزء من عملية التنمية البشرية التي تعمل عليها الدولة.لكن الواقع يحمل معه احتمالات لا يجوز التعامل معها بشكل متهاون، ولا يجوز معها إطلاق معنى الثقة والهيبة، بل إن المصلحة العامة تقتضي إحالة أعضاء الهيئة إلى «مجلس التأديب» رغم ما تحمله هذه الإحالة من إساءة إلى سمعة العضو المحال إلى التحقيق. ذلك لأن عدم المحاسبة ستؤدي إلى انتشار الفساد في الأوساط الأكاديمية، وهي آفة خطيرة على مسيرة النشاط العلمي، تقتضي إتاحة المجال لإحالة أعضاء الهيئة إلى التحقيق، بالتالي كيف واجه قانون الجامعات الحكومية رقم 76/2019 هذه الإشكاليات والتناقضات؟ الرابع عشر: الإحالة على مجلس التأديب... صلاحية تقدير مطلقة لوزير التعليم العالي:بعد انتهاء التحقيق مع عضو الهيئة بصدور التقرير النهائي الذي تبدي فيه اللجنة رأيها في تورط العضو بمخالفة معينة، يحال الموضوع برمته إلى وزير التعليم العالي الذي يمتلك صلاحيات واسعة بخصوص المضي بإجراءات التأديب.حيث جاء في قانون 76/2019 أن «للوزير بعد الاطلاع على التقرير (تقرير لجنة التحقيق) أن يحفظ التحقيق، أو أن يأمر بإحالة العضو المحال للتحقيق إلى مجلس التأديب إذا رأى محلا لذلك، أو أن يكتفي بتوقيع عقوبة التنبيه كتابة» (م/32).بناء عليه ومهما كان فحوى تقرير لجنة التحقيق فإن للوزير ما يلي:• حفظ التحقيق دون حتى بيان الأسباب، وحتى إذا كان تقرير لجنة التحقيق يشير إلى إمكانية تورط عضو الهيئة بمخالفة تأديبية.• الإحالة على مجلس التأديب مع سلطة تقدير مطلقة، دون ربط هذه الإحالة بما وصلت إليه لجنة التحقيق.• توقيع عقوبة التنبيه الكتابي دون إحالة العضو إلى مجلس التأديب، بغض النظر عن نتائج التحقيق.فعلى الرغم من نص لائحة 2019 على ضرورة أن يكون قرار لجنة التحقيق مسببا (م/20 لائحة 2019) إلا أن قانون 76/2019 فتح المجال لوزير التعليم العالي حتى يقرر مصير التحقيق بغير توضيح الأسباب، ودون ربط قراره بنتائج التحقيق (م/32 قانون + م/21 لائحة).وهذا ما يتطلب تدخلاً تشريعياً لتعديل المادة 32 من قانون الجامعات، حتى يكون قرار الوزير متناغما مع التحقيق، وألا يكون المجال مفتوحا لقرارات إدارية غير موضوعية بحق هيئة التدريس. الخامس عشر: الضمانات والمثول أمام مجلس التأديب:من الضمانات المذكورة في القانون 76/2019 لعضو هيئة التدريس في مواجهة إجراءات التأديب، هي:• الإعلان لعضو الهيئة التدريسية بقرار الوزير إحالته على مجلس التأديب، وموضوع المخالفة، ذلك قبل أسبوعين على الأقل (م/32 لائحة 2019).• حق الاطلاع على التحقيقات والأوراق، ذلك في أول جلسة (نفس المادة).• عدم جواز تأديب عضو الهيئة عن واقعة قد مضى عليها أكثر من 5 سنوات، إلا إذا قطع التحقيق هذه المدة أو تم إيقافه هذا العضو عن العمل أو تم فرض إجراء تأديبي بحقه خلال مدة الـ 5 سنوات بسبب نفس الوقائع؛ بالتالي فإن العضو يأمن جانب مجلس التأديب بمجرد مرور هذه المدة دون تحقيق أو أي إجراء تأديبي بسببها.لكن هذه القاعدة لم تكن مطلقة، بل إن القانون 76/2019 قد استثنى منها الحالات التالية (م36):1- التزوير مثل تزوير العلامات بعد إتمام التصحيح بغرض تغيير علامة الطالب المستحقة.2- السرقة مثل سرقة مستندات هامة من ملفات الجامعة لأي غرض كان.3- المخاطبات المالية كأن يقوم عضو الهيئة بطلب اعتمادات مالية تتجاوز المطلوب لأحد المؤتمرات العلمية التي يكون هذا العضو فيها رئيس اللجنة المالية.• عدم جواز تأديب عضو الهيئة عن واقعة لم تذكر بتقرير لجنة التحقيق (م33/ لائحة 2019) حيث إن هذه الواقعة لم يقع فيها التحقيق، ولذلك لا يجوز لمجلس التأديب النظر فيها طالما أن التحقيق التأديبي واجب بالقانون.• لا يجوز تأديب عضو الهيئة التدريسية إلا بقرار مسبب، وبعد التحقيق معه، وسماع أقواله، وتحقيق دفاعه (م/31 قانون + م/20 لائحة)، بهذه الطريقة تشكل مرحلة التحقيق بحد ذاتها ضمانة للعضو قبل إحالته على مجلس التأديب.• عدم جواز استعادة المبالغ التي قبضها عضو الهيئة خلال فترة وقفه عن العمل إذا تم فصله من الجامعة (م37/ لائحة 2019)؛ ففي حالة الفصل لا يجوز للجامعة أن تطالب عضو الهيئة باسترداد رواتب فترة الوقف.في الواقع، لا تبدو هذه الضمانات المذكورة كافية لبث الطمأنينة في نفس عضو الهيئة التدريسية بأنه لن يتم ظلمه أو الافتراء عليه بواقعة لم يقم بها، فقد كان يجدر بقانون الجامعات النص على ضرورة حضور «محام» مع العضو خلال مرحلة المثول أمام لجنة التحقيق ومجلس التأديب، مع إقرار بطلان أية إجراءات دون هذا الحضور.